جلست على السفرة تنظر إلى ساعة الحائط، “ابني دائما ما يأتي في هذا الوقت ليتناول الغداء معي سأنتظر لعله يفتح الباب الذي ظل طوال 11 عاماً في انتظاره”. طال انتظاره كالعادة، ولملمت سفرتها، وأشارت لخادمتها التي أتى بها ابنها الوحيد تبرئة للذمة، “خذي الطعام سآكل فيما بعد”. أغمضت عينيها وتذكرت كم عانت لتصبح أماً، فوحيدها هذا انجبته بعد عشر سنوات من الزواج ولم يكمل عامه الثالث حتى توفي والده. الحياة كلها كانت لأجله هي تتنفس بأنفاسه. تنام على دقات قلبه. حياتها كلها كانت وما زالت له. لم تدرك عمرها الذي مر ولم تتحسر على ما مضى فقط تريد ساعة من وقته. ساعة تتعرف فيها على ملامحة ولتساعدها على تمضية ما تبقى لها من العمر. ? ? ? كان ينظر من نافذة المستشفى الذي يرقد فيه بسبب الإعياء وهرم جسده، زاره شاب ومعه طفل صغير جلس معه لأكثر من ساعة ساعده على أكل طعامه والاغتسال وأخذه في جوله بحديقة المستشفى، وساعده على الاستلقاء وذهب بعد أن اطمأن عليه. دخلت الممرضة لتعطيه الدواء وتتفقد حاله “ماشاء الله يا حاج الله يخليلك ابنك وحفيدك يومياً بيزورك، ما في عيال بهالزمن هيك”. نظر إليها ولم ينطق أغمض عينيه، وقال لنفسه “ليته كان أحد أبنائي.. هذا اليتيم من “الفريج” الذي كنا نسكن فيه رأيته مرة يبكي عند باب المسجد عندما توفي والده هدأته، واشتريت له الحلوى ولم احتك به منذ ذلك الوقت. وعندما علم بوحدتي أنا وزوجتي تفقد حالنا حتى وهن جسدي وأخذ زوجتي إلى منزله فيما جاء بي إلى المستشفى للعلاج. وعندما كنت أسأله “لماذا يا ولدي تتكبد هذا العناء معنا؟ يبتسم ويقول ما زال طعم الحلوى في فمي. لدي أربعة أبناء بنت وثلاثة أولاد”. فتح عينيه ونظر إلى الممرضة يجيبها “لأنه ابني الوحيد”. هي الأيام التي ترسم ملامحها في وجوههم. هي السنين التي أفنوها لأجل أبنائهم تبقى في ذاكرتهم. ليست تجاعيدهم ولا ارتعاش أيديهم التي تثقل كاهلهم المستند على عكاز الزمن. بل جحود الأبناء وهجر من كانوا في الحجر يوماً. تشيخ الشجرة ويظل ظلها وما أن يختفي الظل حتى تعلن وفاتها، فكيف بالآباء والأمهات عندما يتحسسون ظل السند الابن ولا يجدونه. ينسى الأبناء أن العجلة تدور بسرعة ولن يشعروا إلا بالزمن وقد أعلن لهم عن مكانهم الجديد وذكرهم بالدين “فكما تدين تدان”. ameena.awadh@admedia.ae