هل هي أطروحة جديدة في السياسة، بعد أن عجز الكتاب الأخضر عن تلبية الطلب، أن يبدو القائد مسترخياً، متأملاً في حركة الأحصنة، والملك واقفاً صامداً، منتظراً ما سوف يسفر عنه غبار الأقدام الحافية المتقدمة، إلى حيث يكمن الأمل؟.. هل هي لغة جديدة في التعبير، عن مهزلة السلطة عندما لا توافق أهلها، وتصبح شيئاً من الخرافة، أو بعضاً من محدثات التاريخ العجيب الغريب المريب والذي يضع أسماء على رأس الأسنة، ويلقي بأسماء في مهملاته وهي كثر؟
هل هي فصل من مسرحية هزلية، فيها من الغزل، وفيها من الزجل، وفيها من الوجل، وفيها من الملل، وفيها من التمثيل، الذي يقع فيه البطل، صريعاً مضرجاً بدمائه بعد حراك فانتازي، أرهق الأذهان وأتعب الأوطان، وجرَّد الإنسان من مفهوم ومعنى الآدمية؟
هل هي مرحلة اللعب في الوقت الضائع، ولم يجد العقيد غير الشطرنج، والتي هي لعبة الأذكياء، وحرفة الذين يحلمون بانتصار على الخصم بعد معاناة فكرية، وجهد واجتهاد وبذل واستدلال وقياس ودقة وتدقيق، وحنكة في إقصاء الخصم خارج لعبة الكراسي.
كان العقيد مستغرقاً، في اللعبة الجهنمية بينما كان المعادل الخصم يجلس متأملاً، قارئاً بفنجان، كونفوشيوس، عماذا تضيء هذه الاستراحة، وماذا يقصد القصير في جلوسه في هذا المكان المخبأ، بينما مدن ليبيا من بنغازي إلى الزاوية والزنتان تحترق تحت وابل النيران، ودماء شعب ليبيا تسبح على الرمل الجاف، متحركة باتجاه البحر، لعل وعسى أن يغسل التاريخ ما تراكم، وما تفاقم، وما احتدم، ولعل العقيد يفتح عينيه، لينظر إلى صحراء ليبيا لا إلى الفضاء محملقاً محدقاً.. خصلة جديدة أخذها الخصم الآسيوي العريق، وانتزعها من سلوك القائد، وهو السلوك الفريد، حيث تدور رحى الحرب، وتتزلزل الأرض، وتميد السماء، والقائد لا يعكر ذهنه إلا دخان السيجار المعتق، ولا يفكر ولا يتدبر أمر البلد الذي قد يصير في يوم ما “صومالاً” جديداً، ويبكي العقيد ومن عاداه على اللبن المسكوب.
في هذه الخلوة، في هذه العزلة، التي ألهمت عظماء نظريات وأفكاراً، قدمت للإنسانية أجمل الأناشيد بأن يراجع العقيد نفسه ويلتفت من حوله، ويسأل نفسه قائلاً: لماذا أنا هكذا؟ ولماذا لا أدع الناس يصنعون مصائرهم، وأريح واستريح، بعد أربعين عاماً من النظريات والإلهامات، وأحياناً الشعر والرواية، وكلها لم تجدِ نفعاً؟ لماذا لا أتخلى عن لغة “الأنا”، وأترك “الأنتم”، يضعون النقاط على حروف التاريخ، ويمضون بالبلد بعيداً عن نشر الموت، وإسالة الدماء، وتوزيع البغضاء وزرع ألغام الخوف في كل مكان؟
لقد لعبت الشطرنج كثيراً، وحزت انتصارات بأرقام ليس لها رصيد في قلوب الذين ينازعونك المكان، وصلت وجلت ونظرت، يوم لا تنفع النظريات حين تصبح مجرد حبر على ورق، بينما مطالب الناس على أرض الواقع، تقول: نريد أن نعيش، نأكل، ونلبس، ونسكن، دون رقابة اللجان الشعبية.


marafea@emi.ae