سيف فتى صغير في الخامسة عشرة من عمره، جميل ومجتهد ولديه حبيبة تلازمه دائماً، فإذا جاءنا كانت بصحبته، وإذا تنقل في أي مكان تعلقت برقبته كطفل مشاغب، إنها الكاميرا التي يهوى سيف التصوير بها وعرف الكثير عنها، كان في زيارة لنا منذ عدة أيام وأطلعني على بعض الصور التي التقطها، وقد أدرجها في صفحته الشخصية على الفيسبوك، قلت بيني وبين نفسي وأنا أراقبه يداعب أزرار الكمبيوتر بسرعة البرق ويريني الصور بحرفية عالية: يا الله كيف يكبر الصغار في غيبة الوعي التي تجتاحنا.
كان سيف في خاطري لايزال ذلك الطفل الصغير الذي يعبث بشغب يثير الأعصاب احياناً، كيف كبر بهذه السرعة، وبدأت ملامح الرجولة تجتاح وجهه، كيف عرف الطريق إلى الكاميرا وتمرس في دهليز أسرار عدساتها وأبعادها، اين كنت عندما كان سيف يكبر ويختار هوايته ودراسته ومستقبله، ماذا ستدرس إذا أنهيت الثانوية ؟ سألته كمن يمرر سؤالاً روتينياً نلقيه على آذان الأطفال وكأنه أمر مفروغ منه لابد للكبار أن يقوموا به إذا صادفوا طفلاً في أي مكان، أجابني إن لم أتمكن من دخول كلية الطيران فسوف أسعى لأكون محامياً !!
بهذا الوضوح يتحرك هؤلاء الصغار دون حاجة لآرائنا النيرة أو نصائحنا وثرثرتنا التي نتباهى بامتلاك ناصيتها غروراً بفارق السنوات التي ندعي بأنها راكمت لدينا خبرة لابد من استثمارها في عقول وأجساد هؤلاء الذين تعبوا لكثرة ما حاولوا إفهامنا بأن بإمكانهم أن يكونوا أفضل منا بكثير، وأن كل ما يحتاجونه منا أن ندلهم على الطرقات البعيدة التي لا يعرفونها ولم تسمح لهم تبدلات المدينة وانشغالات الكبار بالاستدلال عليها.
سألته: هل ذهبت إلى سوق السمك في ديرة فجراً ؟ هل مشيت في سوق الذهب؟ هل تعرف تفاصيل سوق الأدوية الشعبية في منطقة الرأس بديرة؟ هل تعلم انك إذا وقفت على رصيف محطة العبرة في الضفة الأخرى من دبي تكون بإزاء عالم لا حدود له من التاريخ والبشر جدلية اللون والضوء والحركة مساء وفي عز الظهيرة ؟ هل مشيت على جبال رأس الخيمة ووديان الفجيرة وتسكعت في دروب المنطقة الشرقية ؟ كان يجيبني على كل سؤال الإجابة نفسها : لا !!
زمان كانت المدارس تقوم بمهمة تعريف الطلاب على معالم المدينة الحديثة: المركز التجاري والميناء والمتحف و.... الخ، وكان الطلاب يعرفون تماماً تفاصيل مدينتهم كما يعرفون خطوط يدهم، فقد كنا نذرع هذه المدينة في كل مناسبة، لم تكن هناك بقعة لم نصلها، الا فيما ندر، لكن اليوم اختلف الوضع فلا يمكن أن تظل المدرسة تسحب الطلاب إلى المول والحديقة وهم يعيشون في المول أكثر مما يقضون في المنزل ويعرفون في الحديقة جيداً، بينما لا تكلف المدارس نفسها عناء تنظيم زيارات حقيقية لمناطق وتفاصيل المدينة الحقيقية التي يفترض أن يرتبط بها هؤلاء الطلاب وينجدلوا معها وينغرسوا في عمقها ويعرفونها ويحبونها كما يجب وكما نطالبهم كل لحظة.
كيف يمكن أن يحب هؤلاء مدينتهم إذا كانوا لا يعرفونها، إذا لم يمشوا في كل حواريها وأزقتها؟ إذا لم يشموا رائحة البحر والسمك وديزل العبارات، ورمال الصحراء وبساتين النخيل وأشجار الليمون.
و........ للحديث تتمة.


ayya-222@hotmail.com