ليس هُناك صفة أشد بشاعة من الغدر، والغدر من اللؤم والخسة، وقد كره العرب الغدر وعدّوه نقيصة في الإنسان، وقيل إنه كان بين معاوية وبين أهل الروم عهد وكان يسير في بلادهم حتى إذا انقضى العهد أغار عليهم، فإذا رجل على دابة أو على فرس وهو يقول: الله أكبر وفاء لا غدر وإذا هو عمرو بن عبسة، فسأله معاوية عن ذلك، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عهداً ولا يشدّنه حتى يمضي أمده أو ينبذ إليهم على سواء، قال فرجع معاوية بالناس. لما جعل المنصور الخليفة العباسي العهدَ إلى عيسى بن موسى ثم غدر به وأخّره، قدم المهدي عليه فقال: أينـسى بنو العبــاس ذبِّي عنهُــمُ بسيفي ونار الحـرب زاد سـعيرها فتحت لهم شــرق البلـاد وغربهـا فذلَّ معاديــها وعـــزَّ نصيــــرها أقطـــع أرحامـــاً عــليَّ عزيــــــزةً وأبـــدي مكيــداتٍ لها وأثيرهــا فلما وضعــتُ الأمــر في مســتقرِّه ولاحتْ له شــمسٌ تلألأ نورهـــا دُفِعْـتُ عن الأمـر الذي أســتحقَّه وأوسـق أوسـاقاً من الغدر غيرها وقال المدائني: قال الحجاج بن يوسف لأنس بن مالك - حين دخل عليه في شأن ابنه عبد الله - وكان عبد الله قد خرج مع ابن الأشعث - قال له: لا مرحباً بك ولا أهلاً، لعنة الله عليك من شيخ جوالٍ في الفتنة. مرة مع أبي تراب ومرة مع ابن الأشعث. والله لأقتلعنك قلع الصمغة، ولأعصبنِّك عصب السلمة، ولأجرِّدَنَّك تجريد الضَّبْ. قال أنس: مَن يعني أبقاه الله؟ قال: إياك أعني! أحمَّ الله صداك. فكتب أنس إلى عبد الملك بن مروان بذلك، فكتب عبد الملك إلى الحجاج: بسم الله الرحمن الرحيم، والله قد صمَّمْتُ أن أركلك برجلي ركلة تهوي بها إلى الجحيم. قاتلك الله يا أخيفش. أصكَّ الرجلين، أسوأ الجاعرتين، والسلام. وقد عُرف الضبع بالغدر - وكنيته أم عامر - فضربوا به المثل. قالوا: خرج قوم للصيد، فطاردوا ضبعة حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي فأجارها، وجعل يطعمها ويسقيها. فبينما هو نائم ذات يوم إذ وثبت عليه فبقرت بطنِه وهربت، فجاء ابن عمه يطلبه فوجده ملقى فتبعها حتى قتلها وأنشد يقول: وَمَنْ يَصْنَعِ المَعْرُوفَ في غَيـرِ أَهْلِهِ يُلاَقَ الَّـذي لاَقَى مُجِيــرُ أمِّ عَامِــرِ أعَـدَّ لهــا لـمــّا اســتَجَارَتْ بِبَيْتِهِ أحَالِيبَ ألبَــانِ اللقَــاحِ الدَّوَائِــرِ وَأسْــمَنَهَا حَتـَّى إذَا مَـا تَمَكَّنـــتْ فَرَتْــهُ بأنْيَـــابٍ لَهَــــا وَأظَافِـــرِ فَقُلْ لِذِوِي المَعْرُوفِ هَذَا جَزَاءُ مَن يَجُـودَ بِمَعــرُوفَ عَلَى غَيْرِ شَــاكِرِ محمود درويش: يخيّل لي أن عمري قصير وأني على الأرض سائح وأن صديقة قلبي الكسير تخون إذا غبت عنها وتشرب خمراً لغيري، لأني على الأرض سائح! يخيل لي أن خنجر غدر سيحفر ظهري فتكتب إحدى الجرائد: «كان يجاهد» ويحزن أهلي وجيراننا ويفرح أعداؤنا وبعد شهور قليلة يقولون: كان!