تسكت الأفواه عن التحدث، عندما تبدأ مسرحية الفن التشكيلي بالظهور على خشبة المسرح، أمام الملايين من المشاهدين، حينها لا نسمع غير أدوات حادة تصدر أصواتاً قريبة من الرنين، تتوقف أحياناً، وأحياناً أخرى تصدر صوتاً حاداً، يصعب تمييز نغماته، تتراقص الأقدام على خشبة المسرح، تمتزج رقصة الأقدام مع الأضواء منتجة صوراً بصرية، يصعب فك رموزها، ترتد الأضواء من على خشبة المسرح إلى بصيرة المشاهدين، وتشكل عبر الضوء المرتد دائرة مغلقة، تضم المسرح والملايين من المشاهدين، هنا ندرك أن الفن من غير هؤلاء المشاهدين، لا يمكن وجوده، فمسرحية الفن لا تقتصر فقط على خشبة المسرح والفنان، بل تضم أيضاً المشاهد. أثناء عرض مسرحية الفن، يرفض المشاهد عملية غلق الجفون، خوفاً من غياب صورة لحظية، يطرحها الفنان على خشبة المسرح، تجد المشاهد يضحك، عندما تتعثر قدم الفنان، بسبب الملابس الطويلة المزركشة بالألوان الصارخة التي يرتديها، بينما ترتسم ملامح الذهول على وجه المشاهد، عندما يشاهد الآلة الحادة وهي تلتحم بجسد الفنان، وتبدأ الدماء بالظهور على سطح الملابس الطويلة المزركشة، وتمتد عروق الدماء، لتغطي أجزاء من خشبة المسرح، حينها تبدأ الدماء بالتكاثر، لأن الآلة لم تتوقف، أثناء عملية تكاثر الدماء، لم يصرخ الفنان، أو يبدي أي تعبير عن الألم. عبر مسرحية الفن، يتكلم الفنان بلغة الرمز، لأن الحروف لم تعد تجدي، بل قد تحاكم من قبل المشاهد، الرمز الذي يتكلم الفنان من خلاله، يمثل القضايا الداخلية والخارجية، القضايا الداخلية، تضم الإسقاطات النفسية التي تعرض لها الفنان منذ الولادة، بينما القضايا الخارجية عبارة عن الأحداث التي توجد في الوسط المحيط، عبر القضايا الداخلية والخارجية تتفاعل الأنا مع الآخر، وحينها قد تتفق الأنا مع الآخر، أو قد تدخل في صدام عنيف. عندما نسمع كلمة مسرح، نفكر في المتعة الذهنية، ونحاول الخروج من الواقع الذي نعيشه، إلى عالم الخيال والضحك الممتزج بالمتعة، لكن مسرحية الفن مختلفة، لأنها ترمي بنا في شباك الواقع الذي نعيشه، فانفعالات الفنان أثناء عملية رقص الأقدام هي انفعالات خوف وفرح. خوف من الآلة لأن لديه قدرة على التنبؤ بأن الآلة تكون أحياناً أداة هدم، وانفعالات فرح، لأن الضوء وصل إلى بصيرة المشاهد. وانفعالات الخوف والفرح هذه، تعتبر نقطة نجاح لمسرحية الفن. science_97@yahoo.com