لو اقتفت النساء خطى أليزابيث جيلبرت لرفع الرجال الرايات البيض. سافرت الكاتبة الأميركية في رحلة ثلاثية المحطات بحثا عن ذاتها، وعادت منها بكتاب، يجمع بين دفتيه ذكريات الرحلة ووقائعها في صيغة روائية. كانت جيلبرت قد تخطت عقدها الثالث بقليل، عندما اكتشفت أنها غير سعيدة في زواجها، رغم نجاحها المهني ككاتبة. وجدت نفسها تبكي وتنهار. طلبت الطلاق، وقررت خوض مغامرتها لمدة سنة بتمويل من ناشرها، الذي سيحصل في النهاية على كتاب ناجح يحتل لائحة “نيويورك تايمز” لأكثر الكتب رواجا لمدة 187 أسبوعا. “أكل، صلاة، حب” eat, pray, love هي الوصفة السحرية التي تبتكرها أليزابيث جيلبرت للمرأة العصرية، المستقلة، الخائضة في التجربة بكل مباهجها وأحزانها، بحثا عن التوازن الداخلي والحياة الإيجابية. تصل المؤلفة إلى أولى محطاتها إيطاليا. هناك ستعيش تجربة الطعام شغفا وليس نهما. الطعام في إيطاليا هو مكافأة إلهية للإنسان. هو أسلوب حياة. هو تعبير يومي عن الفرح والشكر. تكتشف جيلبرت إيطاليا الحقيقية: ثقافتها، ومزاجها، وطريقة أبنائها في الحديث بألسنتهم وأيديهم، وذلك من خلال الأطباق الشهية. تطلب (الباستا) في مظانها، وتقتفي أثر (البيتزا) في نابولي بالجنوب. قرر سيجموند فرويد مرة إن غريزة الجوع أقوى من غريزة الجنس، لكن المؤلفة الأميركية لم تكن تريد الشبع، وإنما التشبّع، حتى ولو تسبب الأمر بالامتلاء والانتفاخ. تقول لصديقتها المحتجة: “إن المسألة كلها تعني أن نشتري بنطلونات (جينز) أوسع”. بعد أربعة أشهر سوف تكتفي، وكأنها توافق أفلاطون، ذلك اليوناني الحسود في رأيه عن الجارة روما: “لا يمكن لأي مدينة أن تعيش بسلام، أيًّا تكن قوانينها، إن كان مواطنوها لا يفعلون شيئا سوى الاستمتاع بالطعام والشراب والحبّ”. تنتقل المؤلفة إلى الهند لكي تعيش أربعة أشهر أخرى في معتزل بوذي. هناك سوف تكتشف فضيلة الصلاة والصمت، الشوق والتعبّد. استغرقت في ممارسة اليوغا لكي تصل إلى مستوى الاتحاد بين العقل والجسد. كانت تكافح في تجربتها الروحية الجديدة ماضيها المرتبك. أصبحت جلسات التأمل نوعا من العزلة، ومن جلد الذات. سوف تفهم من زميل أميركي إن عليها أن تهدم الجدران التي تسورها لكي تستفيق. وإن الإرهاق الذي تعانيه في جلسات التأمل، سيصبح ذاكرتها. ذاكرة الحزن الجميل التي يحتاجها الإنسان لكي يتوازن. تلملم جيلبرت حاضرها، وذاكرتها الجديدة وتذهب إلى بالي في أندونيسيا. هناك ستكتشف قيمة التواصل: مع المعالج الروحي، الذي ينطق بحكمة وخبرة تسعة أجيال سبقته. مع الطبيبة الشعبية الحالمة بالاستقرار وطفلتها الحالمة ببيت بلاطه أزرق. مع الطبيعة الكريمة في اندفاعها الحسي والجمالي. مع الصدفة التي ستضعها في طريق الرجل الذي بإمكانه أن يخترق جدرانها. رجل أعمال تشغله الموسيقى. برازيلي، معجون بالعاطفة والفتنة.. يستحق أن تختم رحلة حياتها، وكتابها به. نشرت جيلبرت كتابها eat, pray, love عام 2006، وفي العام 2010 نقله إلى الشاشة المخرج ريان ميرفي، بفيلم حمل العنوان نفسه. وكأن المخرج لم يكتفي، بوصفة النجاح التي حققها الكتاب، فأضاف إلى الفيلم مكوّنا آخر بمنح البطولة للرائعة جوليا روبرتس في دور المؤلفة. على امتداد ساعتين وربع، احتلت جوليا بوجهها وقامتها الشاشة، ما جعل من ارتحالها بين إيطاليا والهند وأندونيسيا، متعة بصرية مغرية لكل النساء.. والرجال أيضا. لكن المشكلة إن الرجال عندما يقررون خوض مثل هذه التجربة، سوف يبدأونها من النهاية.. سوف يشدون الرحال إلى (بالي). adelk58@hotmail.com