عندما علمت بالمؤتمر الصحفي لوزارة الخارجية قبل انعقاده، اعتقدت أن الأمر يتعلق بإجراءات جديدة لتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل لرعايا دول “الشينجن” في مقابل التعقيدات التي تواجه المتقدمين بطلب الحصول على تأشيرات دخول لدول منطقة اتفاقية “الشينجن”. إلا أن المؤتمر الصحفي أمس الأول كان يتعلق باللائحة التنظيمية لمكاتب تسلم طلبات التأشيرات نيابة عن بعض السفارات الأجنبية في الدولة، والتي أقرها مجلس الوزراء في ضوء توصيات رفعتها اللجنة المشكلة من ممثلين لعدة جهات في مقدمتها وزارة الخارجية، ووضعت ضوابط جديدة تتعلق بعمل تلك المكاتب، ورغم الملاحظات الجوهرية للجنة والمخالفات التي وجدتها في أداء هذه المكاتب، إلا أنها الحلقة الأضعف في قضية المسؤول الأول والأخير فيها السفارات التي انتدبتها واعتمدتها للقيام بهذه المهمة. وهناك سفارات أخرى تتعامل مع المراجعين وطلباتهم للتأشيرات مباشرة، ويعاني هؤلاء الأمرين منها.
نحن مع الوزارة في تنظيم عمل تلك المكاتب التي اتضح أن الكثير منها لم يكن مهيئاً للقيام بهذه المهمة، من حيث المكان أو الأداء، أذ لم يكن بعضها مرخصاً لأكثر من القيام بأعمال التصوير والطباعة.
كما اتضح خطورة توافر قاعدة بيانات حول أدق تفاصيل المراجعين وبياناتهم الشخصية بحوزة هذه المكاتب، ناهيك عن قيام بعضها فرض رسوم إضافية على معاملات تتولى تسلمها، ولا تقوم بإعادتها للجمهور في حالات الرفض أو سحب الطلب. رغم أن السفارات الأجنبية هي من أرسى قواعد هذا الإجراء المالي غير السليم.
أعود لهذه السفارات التي لا يريد بعض المسؤولين فيها استيعاب حقيقة أن رعايا الإمارات والمقيمين على أرضها عندما يتوجهون إلى بلدانهم تلك، أنما يضخون أموالاً تدب الروح والحيوية في شرايين اقتصاد هذه البلدان التي يعاني أغلبها من أزمات اقتصادية، وهي على حافة الإفلاس بل أن بعضها أفلس. وعندما أزور عواصم كبرى في تلك البلدان الأوروبية أجد في شوارعها الرئيسية وأنفاق المترو والمحطات الكبرى للقطارات، دلائل وشواهد التدهور المعيشي والاقتصادي، من مشردين وشباب عاطل عن العمل يستجدي المارة، وقد وضع البعض منهم أمامه يافطة صغيرة، تقول إنه “جائع”. لا أحد ينكر حق تلك الدول في التدقيق فيمن يريد زيارتها، ولكن ذلك لا يبرر سوء تعامل بعض سفاراتها وقنصلياتها معنا بهذه التعقيدات والمطالب، واستخدام موظفين يفرغون ُعقّدهم ورغباتهم المتسلطة في مراجعين ذاهبين لحقن اقتصاداتهم المأزومة بملايين اليورو.
أمام إحدى هذه السفارات يتعرض المراجعون “لحمام ساونا” مجاني، وهم ينتظرون تحت الشمس فتح أبواب القسم القنصلي فيها الذي لا يفتح أكثر من ساعتين لاستقبال المراجعين، ونصف ساعة لتسلميهم جوازات سفرهم بعد نحو أسبوعين إن مُهرت بالتأشيرة الموعودة، بينما رعاياهم ُتختم جوازاتهم بتأشيرة لمدة 90 يوماً مجرد أن يطأوا أي منفذ من منافذنا الحدودية. وشخصياً أنا من أنصار التوجه لخيارات أخرى عند السياحة، حيث توجد بلدان عدة ترحب بالسائح من الإمارات، يدخل إليها بتأشيرة من مطار الوصول، وفيها “البراد” المنشود وابتسامات الترحيب المضيافة، بعيداً عن عُقد ومطالب أهل “الشينجن”.


ali.alamodi@admedia.ae