لقد أصبح تطوير اللغة ضرورة حتمية، بحيث تقترب من اللغة المتداولة في المجتمع، كي لا تتحول إلى مجرد تراث من الشعر والأدب من ماض، نجتره، هروباً من واقع يتطور يوماً بعد يوم، بل لحظة بعد لحظة، ويفرض على العربية وأبنائها تحديات حقيقية، لابد من مواجهتها، وإذا أردنا تطوير لغتنا العربية لابد لنا من أن نجعلها - أو بالأصح - نعيدها لغة منتجة للعلم، مسايرة للتقدم العلمي، لتتبوأ المكانة الرفيعة بين لغات العالم، وقد كانت كذلك في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية، حيث كان على كل طالب علم، من أي ملة أو عرق كان، أن يدرس العربية وأن يتقنها، ليستطيع اكتساب العلوم المختلفة. ولا نعني بتطوير اللغة تيسير النحو وتبسيط القواعد فحسب، إنما نعني تعريب الألفاظ والتعابير الجديدة عن اللغات الأجنبية أولاً، والارتقاء باللغة ثانياً لتواكب تطور الفكر والحياة والمجتمع. وكي نكون واقعيين لا بد لنا من الاعتراف بوجود هوّة حقيقية بين لغة العلم ولغة الكلام في العربية، وقد أشار الأستاذ أحمد أمين في كتاب «حياتي» على لسان أستاذه المصري علي بك فوزي المقيم في إستنبول بعد تقاعده، عند زيارته له في سنة 1928م، إلى هذه المسألة المهمة جداً: «لا أمل في إصلاح مصر ما دامت هناك لغة للعلم ولغة للكلام، فإما أن ترقى لغة الكلام، وإما أن تنحط لغة العلم حتى تتحدا، وحينئذ فقط يكون التفكير الصحيح واللغة التي تستمدّ روحها من الحياة الواقعية» وتكمن أهمية إشارة الأستاذ «العالم والأديب والمفكر» في ربطها بين الإصلاح والتوحيد بين لغة العلم ولغة الكلام، والمعنى المقصود هنا، هو تيسير اللغة العربية وتطويرها، بحيث تقترب من اللغة المتداولة في المجتمع، حتى تواكب اللغة تطور الحياة ومتغيرات العصر، مع وجود مسافة بين لغة العلم ولغة الحياة العامة. وتكمن الأهمية الكبرى للإشارة في هذا الربط بين إصلاح أحوال المجتمع وبين تطوير اللغة، في تلك المرحلة المبكرة من عشرينيات القرن الماضي، والذي يثبت أن الوعي بضرورة مواجهة التحديات التي تحاصر اللغة العربية، ليس جديداً ومقتصراً على عصر العولمة، وأن إصلاح اللغة هو جزء لا يتجزأ من إصلاح المجتمع، وأن اللغة تعبّر عن حال المجتمع، وأن المجتمع هو الذي يطور اللغة ويجددها ويجعلها تحيا وتساير المتغيّرات. هناك اعتقاد سائد لدى الكثيرين بأن اللغة العربية الفصحى هي لغة أدبية، لا تصلح إلا للشعر والأدب، وأن هذه اللغة أصبحت ماضياً، يفتخر به، لا غير، وأنها بعيدة عن نبض المجتمع الذي تعيش فيه، وقد توقفت عن مسايرة تطورات العصر المتلاحقة، لعجز كامن فيها، وفي ذلك مجانبة للواقع والمنطق، من ناحية أن السبب في عدم تطور اللغة العربية كامن فيها، لأن اللغات تتطور وتنحط، وتتقدم وتتأخر بحسب درجة الرقي الحضاري للناطقين بها وتقدمهم الاجتماعي، ولذلك فهي ليست ظاهرة اجتماعية فحسب، ولكنها مرآة الوعي الحضاري لدى متحدثيها، وتطوير اللغة هو جزء لا يتجزأ من تطوير المجتمع الناطق بها كله. نزار قباني: هنــا جــذوري هنا قلبـي هنا لغـتـي فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟ أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ معتـذراً فهــل تســـامحُ هيفــاءٌ ووضّــاحُ؟ خمســونَ عاـماً وأجزائــي مبعثــرةٌ فوقَ المحيطِ وما في الأفـقِ مصبـاحُ تقاذفتني بحـارٌ لا ضفــــافَ لهــا وطاردتنــي شـــــياطينٌ وأشــباحُ ما للعــروبةِ تبــدو مثــلَ أرملــةٍ؟ أليسَ في كتـــبِ التاريـخِ أفــراحُ؟ حملت شعري على ظهري فأتعبني ماذا من الشـعرِ يبقى حينَ يرتاحُ؟