على مدى يومين متتاليين، تابعت - وبما سمح به الوقت - أحد برامج البث المباشر، حيث تناول قضايا تتعلق بحالة نكاد ننفرد بها، وهي التقاعد المبكر، سواء بطلب من الشخص المعني أو إحالة إلى التقاعد، كما يجري في العديد من الدوائر.
في اليوم الأول تحدث رجل لم يكمل الأربعين من عمره عن الظروف التي قادته لطلب التقاعد، والتي تمثلت في خلافاته الدائمة مع مسؤوله المباشر، الذي قال إنه حوّل بيئة العمل إلى مكان لا يستطيع البقاء فيه، مما أثر على نفسيته وأدائه، وحتى علاقته بأسرته، فلم يجد بُداً غير طلب التقاعد، الذي كان أسرع الحلول المتاحة أمامه، كما قال، وجاء بدعم من المسؤول المباشر ذاته عنه، على الرغم من استدعائه مرتين من الدائرة الرئيسية في جهة عمله، لمراجعته للعدول عن الأمر الذي أصر عليه، ليحال إلى التقاعد، ليندم على قراره كثيراً، بحسب كلامه، قبل أن يستعيد توازنه، ويبدأ حياته من جديد في نشاط خاص به.
في اليوم التالي، تابعت مداخلة لمسؤول بهيئة المعاشات في البرنامج ذاته، كان أغلب حديثه عن هدر الموارد الذي يترتب على الإحالة المبكرة للتقاعد، وأثر قرار السماح لهم بالعمل لدى جهات أخرى بالمكافأة.
كما برزت صورة أخرى لتناقضات النظر للهدر، فإذا كان أحد المبتعثين للدراسة في الخارج قد قطع بعثته الدراسية لأسباب خاصة به، فإن أغلب الجهات تطلب منه إعادة المبالغ والتكلفة التي صرفت عليه، بينما لا تتم مساءلة الجهة ذاتها، عندما تحيل للتقاعد العائد إليها من الخارج بعد أقل من خمس سنوات على عودته.
إن هذا الموضوع الذي ينظر إليه كثيرون على أنه صورة من صور الهدر المالي، وهدر الطاقات والموارد البشرية، ينظر إليه آخرون على أنه وسيلة للتخلص ممن لا يريدون بقاءهم معهم في الدائرة نفسها.
وتابعنا العديد من الوقائع التي تظهر إساءة استغلال صلاحية الإحالة للتقاعد، خاصة في مواقع العمل التي تظهر فيها «الشللية» تتم فيها التصفيات الوظيفية، بحسب تغيير المديرين، حيث يصفي الطاقم الجديد المحسوبين على الإدارة التي سبقته.
وخلاصة الأمر أن مثل هذه الصور، تكشف نظرة محدودة وضيقة للوظيفة العامة، وطريقة استخدام البعض لصلاحياته، في وقت يفترض فيه تكريس وتعزيز ثقافة العمل وتبجيل الخدمة العامة ومواقعها، لا البحث عن نصوص وفقرات تُستغل لأجل مصالح ذاتية للتخلص من منافس محتمل.
وللقضاء على سوء الاستخدام الذي ذكرنا، نحن بحاجة لتفعيل دور القنوات الخاصة بمسائل التقاعد، وأن تكون لها كلمتها المباشرة والحاسمة، لا حصر دورها فقط في تنظيم أمور صرف المستحقات، والتأكد من تجديد البيانات صيفاً وشتاء، بعد أن سكنت تلك القنوات فرحة بصلاحية وحيدة، هي وقف مخصصات أي متأخر عن تحديث بياناته في المهلة المحددة.



ali.alamodi@admedia.ae