من الأشياء الجميلة في أوروبا والعالم المتحضر، ومنذ سنوات طويلة تجدهم يخصصون أماكن لذوي الاحتياجات الخاصة، وتجدهم يهتمون بها غاية الاهتمام، ويراعونهم في أدق التفاصيل، حمامات مجهزة بعد دراسات طويلة، واختبارات لكي تساعدهم، منزلقات لكراسيهم المتحركة، أولويات في الطوابير، وشبابيك تخصهم وحدهم، مواقف، حتى الأسعار المخفضة عند الشراء، واستطاعوا أن يجبروا العالم بأن يحذو حذوهم على الأقل في الأشياء الأساسية، وقد تعجبت مرة من شركة إيطالية قبل سبع سنوات، استدعيناها لتأثيث مكاتب إعلامية، واشترطت أن تبدأ مع المقاول في البناء، وليس بعد اكتمال البناء، لتسهيل عملهم، ومن أجل جمالية المبنى، ليس هذا هو الأمر، لكن الأمر هو إصرار المهندسين على عمل كل ما يخص المعوقين في المبنى، وتجهيزه وكأنهم سيشاركوننا العمل والزيارة حتماً، فتعجب الكثير منا، لأنه هدر في المساحة، وبعض هذه الأشياء لن تستعمل إلا مرة في السنة، لذا لا داعي لها في المبنى، فنحن بحاجة لكل متر مربع فيه، فأصر المهندسون على الأمر، رغم أنهم خارج أوروبا، وبلدياتنا لا تشترط عليهم ذلك زمان، وربما حتى الآن، اليوم.. أتعجب من أناس يزاحمون ذوي الاحتياجات الخاصة على مواقفهم، وعلى شبابيك الانتظار، وحتى حماماتهم دون أي مخالفة أو تنبيه لهم، وأذكر في هذا الصدد قصة أحد الأصدقاء الصحفيين الظرفاء، وكان يعيش في لندن، ويملك سيارة صغيرة يستطيع أن يزرقها في أي ركن، لكن لندن ومواقفها الصعبة، والزحمة تجعله يتوتر، فما كان منه إلا أن استجدى بطاقة لذوي الاحتياجات الخاصة (Disable) بعد أن عطل ركبته، ولوى يده، ويبس رقبته، فحنت عليه إحدى الشرطيات الإنجليزيات والتي كانت تنقصها جرعة أمومة مفقودة، وهو يشبه اليتيم الدائم، فأعطته إياها، وظل يوقف في أي مكان، فقط يعرض البطاقة من داخل الزجاج الأمامي للسيارة، وحين ينزل أو يصعد كان يعرج قليلاً أو يضع ضماداً ملفوفاً على يده، ويكاد من توجعه ما يجعل الشرطة الإنجليزية تأخذ بيده، وتساعده في عبور الشارع، ومرة نسي مشيته، وكان لاهياً، ونزل مستعجلاً يريد موعده، فما كان من الشرطي الإنجليزي الصبور، والذي كان يراقبه بشك دون دليل منذ مدة طويلة، إلا أن أمسكه بالجرم المشهود، وتبهدل بهدلة قانونية، ومعنوية من التي يئن لها الضمير الإنساني، ومخالفات تخص النزاهة، والتحايل، والاستهزاء بإعاقات الإنسان، وحقوقه، وأدخلوه في دوامة قوانين إنجليزية، لا يتسامحون معها وفيها، ولو كان مرتكبها زوج الملكة، الأمير فيليب، وقصة أخرى حدثت عندنا، حين قام أحد مدعي الإعاقة بزيارات متواصلة لوزارة خدمات، وظل يكثر من الطلبات، ويحضر أولاده الأربعة لحمله بغية الشفقة، وتسهيل أمره، لكن الوزير شك في متانة جسده، وطلب تصويره خلسة، فتبين أنه بمقدوره أن يحمل على زنده أولاده الأربعة!


amood8@yahoo.com