عندما تقرر السفر إلى أي دولة في العالم العربي، فإنك تسافر بخفة ودون أي إجراءات لاستخراج “الفيزا؛ وما إلى ذلك، هذا إذا كنت خليجياً فقط، أما إذا كنت عربياً فإنه يتوجب عليك استخراج تأشيرة سفر قد تعطى لك خلال 48 ساعة وقد تتأخر أكثر من ذلك، هذا إذا كنت مسافراً للسياحة، أما اذا كنت مسافراً للعمل فالقضية تأخذ إجراءات أكثر تعقيداً وقد يطول الأمر أكثر مما تتصور، السبب أننا حتى اليوم لم نتوصل إلى اتفاقيات تنقل انسيابية للبشر بين الأقطار العربية، ومازالت الحدود تغلق في وجه بعض العرب، فلا يستطيعون دخول بلدان عربية معينة! إنه أمر يدعو إلى الرثاء فعلاً أننا وبعد سنوات طويلة من قيام جامعة الدول العربية مازلنا غير قادرين على تحقيق وحدة تنقل ووحدة جواز سفر ووحدة عملة، في الوقت الذي لا نمل فيه من ترديد شعارات كبيرة جداً ويبدو أنها جوفاء جداً حول الوحدة العربية ووحدة المصير ووحدة الآمال ووحدة الحال، والحال في الحقيقة لا تسر صديقاً ولا عدواً! في الوقت الذي يتنقل فيه الأوروبي بجواز سفر موحد بين معظم دول أوروبا، وينطلق به القطار عابراً معظم أراضي القارة العجوز بلا توقف وبلا حدود، وتفتيش وبصمة عين، بينما إذا قرر أحدنا السفر إلى ألمانيا فبإمكانه استخراج تأشيرة دخول إلى الأراضي الألمانية من أقرب سفارة أو قنصلية أوروبية، طالما هي ضمن مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، كل ما يجب عليك الحصول عليه هو “فيزا شنغن”، فهل تعرفون ماذا تعني “شنغن”؟ إن شنغن - بحسب ما وصلني من أحد القراء الكرام - قرية صغيرة مشهورة بصنع النبيذ تقع في أقصى الجنوب الشرقي من لوكسمبورج بالقرب من النقطة التي تتلاقى فيها حدود لوكسمبورج وألمانيا وفرنسا يبلغ عدد سكانها 425 نسمة فقط. أصبحت هذه القرية شهيرة في 14 يونيو عام 1985، عندما تم التوقيع على اتفاقية “شنغن” بخصوص إلغاء منهجية المراقبة على الحدود. اتفاقية شنغن مصطلح يستخدم لاثنتين من الاتفاقيات المبرمة بين الدول الأوروبية في عامي 1985 و1990 والتي تتناول إلغاء منهجية المراقبة على الحدود بين البلدان المشاركة. الاتفاقية الأولى وقعت عام 1985 بين دول “البنلوكس”، وهي كلمة مكونة من حروف دول “بلجيكا وهولندا ولوكسمبورج” وألمانيا وفرنسا تنص على الإلغاء التدريجي للضوابط على الحدود المشتركة، وعرفت باسم اتفاقية “شنغن الأولى”، والتي تنص على مراقبة بصرية بسيطة للسيارات الخاصة لعبور الحدود المشتركة في تخفيض السرعة، دون أن يتطلب ذلك وقف هذه المركبات. أما الأشخاص الذين غير مطلوب منهم تلبية متطلبات محددة في الحدود الداخلية، كما، على سبيل المثال متطلبات التأشيرة، فيمكنهم استخدام إجراءات الممر السريع عن طريق إلصاق ملصق أخضر قطره ثمانية سنتيمترات على الزجاج الأمامي. الاتفاقية الثانية وقعت عام 1990 وتقضي بتنفيذ اتفاقية شنغن الأولى بين حكومات دول البنلوكس وألمانيا و فرنسا على الإلغاء التدريجي للضوابط على الحدود المشتركة، وعرفت أيضاً باسم اتفاقية “شنغن الثانية”، أُزيلت بمقتضاها مراكز الحدود والضوابط بين الدول في منطقة شنغن وأصبحت تأشيرة شنغن تسمح للسياح أو غيرهم من الوصول إلى أي دولة في الاتحاد الأوربي، فكم سنحتاج يا ترى لتحتل قرية مكونة من 400 شخص مكان الصدارة في اتفاقيات مصيرية مثلما فعلت قرية شنغن، وكم سيحتاج المواطن العربي ليتنقل بين أقطار وطنه الواحد بمجرد وضع ملصق أخضر بعرض ثمانية سنتيمترات؟