هناك تصرفات لا تستطيع حيالها أن تصمت، كثير من الأشياء التي تشعر بخطئها تعيد الحديث فيها مرات ومرات، منها سلوكيات البعض مع التقنيات الحديثة، وهو حديث تكرر مني ومن غيري بلا حصر، لكن تكرار الفعل يؤدي لتكرار الكلام عنه. تصوير الحوادث المرورية ظاهرة طغت وازدادت مع انتشار “البلاك بيري”، فالصورة صارت تنتشر وتتوزع بضغطة زر، لكن “البرودكاست” عن الحوادث المرورية يعني أن الصور المنتشرة صور تحتاج لقلوب قوية كي تراها. مؤخرا ازدادت هذه الظاهرة، بمجرد تعرض سيارة لحادث، يتجمهر الناس بهواتفهم المتحركة لتصوير الحادث، يعرقلون جهود الإنقاذ ويضايقون حركة السير، يتدخل رجال الشرطة، يفسحون الطريق للإسعاف، يجاهدون في إرجاع المصورين الفضوليين للوراء، لكنهم يستمرون بلا مبالاة فالمهم – في نظر الفضولي- أن يثبت لأصحابه أنه في قلب الحدث، وأنه التقط صورة السيارة المحطمة. ولأننا اعتدنا صور الحوادث، صرنا نتعامل بصمت مع الظاهرة، لكن أن تصل المسألة إلى تصوير ضحايا الحوادث وهم ينزفون أو فارقوا الحياة، فهذا استهتار بمشاعر المصابين وحرمة الموتى منهم، وهو تصرف يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي الذي يرفض التعرض لحرمة الموتى وانتهاكها، خاصة لو كانت صور فتيات مستورات كشف الحادث أجسادهن. في مجتمع متعاضد متماسك يمكن أن تصل صور الميت لأهله بسرعة، قبل أن يبلغهم الخبر حتى، وهو الأمر الذي قد يفجع المقربين منه، ويؤدي إلى صدمة نفسية أو حتى جلطة قاتلة، فتتسبب صورة التقطها عابر متطفل لحادث بمصيبة أخرى في بيت مفجوع. قبل القانون تمنع الأخلاق الإسلامية والقيم المجتمعية، أيا كان من تصوير شخص دون استئذانه حتى لو كان سعيدا يضحك، فكيف بتصوير شخص مثخن بالجراح يصارع الموت، أو قد توفاه الله عز وجل، والسماح للنفس بتوزيع الصور ونشرها بين الناس، واليوم مع التطور التقني صارت الحاجة ماسة لتفعيل قانون يمنع تصوير الحوادث لغير ذوي الاختصاص كالشرطة، ورجال الصحافة، وأصحاب السيارة أنفسهم، لو أرادوا ذلك، أما أن تترك المسائل كماهي عليه فستكون حرمة الناس وأعراضهم في أيدي العابثين وعلى بعد “برودكاست” واحد من الفضوليين. هناك أيضاً تصرف يجب أن يبدر من متلقي هذه الرسائل وهو عدم إعادة توزيعها، حفاظاً على مشاعر أهل المصاب وستراً على أحوال سيئة مر بها شخص، بلا حول ولا قوة واستثمرها الفضوليون، وبعدم إعادة نشر الرسائل وتوزيعها نضمن حصار الصور وأنها لن تصل لأطفال يفجعهم مظهرها، ولا لأناس يعيدون نشرها بلا عقل. ومع ذلك نحتاج للتأكيد على المطالبة بسرعة سن قانون رسمي يحمي ضحايا الحوادث من التصوير العشوائي الذي يمارسه المتطفلون، لعل وعسى نستطيع حماية الناس وحصر هذا التصرف الصبياني.