من عادات معظم المسافرين حينما يدخلون غرفهم الفندقية أن يتلفتوا لأشياء مهمة، لمعة الحمام، والفرح بألوانه، تجريب السرير الوثير، الارتياح بوجود شاشة تلفزيون عريضة، الإطلالة، وإن كانت ثمة شرفة، لكن لا شيء من تلك الأمنيات كان متوفراً في فندق راسيّا الكبير، فذكّرت أصدقائي، قائلاً: ألم أقل لكم إنكم ستودعون الراحة طيلة رحلتنا، فقد كان الأمر واضحاً من الطائرة الروسية الضخمة، وخدماتها الجليلة، عصير من البقالة الذي لاصقة فيه قصبة المص الـ”شاليموه” الأكل المشحم البارد، وكأننا من سكان سيبيريا، ثم ذلك المنظر الذي لم أشاهده قط، وكأن الركاب من متلقي الإعانة الغذائية في برنامج الأمم المتحدة للغذاء، حينما مرت المضيفة الروسية بسلة فواكه، وأخذت ترمي من بعيد للمسافرين، وكل واحد وحظه، برتقالية، موز، تفاحة، ثم مباشرة ببطانيات تساعد على النوم، وكتم الأنفاس حتى الوصول بالسلامة، من وقتها رفعت شعار التعب والتخلي عن الراحة من أجل رؤية بلد يحتل سدس مساحة العالم، تحده 13 دولة.
لم أنتظر كثيراً في تلك الغرفة التي جهزت لنوم الشخص المنهك فقط، ونزلت إلى الطابق الذي يسكن فيه الصديق إبراهيم مبارك لأسمع تعليقاته، فظهر لي بوزار فَتَنيّ مخطط، ومقصر، فقلت له: ربما تكون الشخص الوحيد الذي سيسجل فندق راسيّا الكبير أنك لبست فيه “وزار ومقصر”، فقال: لا تخف، بالتأكيد سبقني الرفاق من عدن، فربما تجولوا بوزرتهم الجاوية الملونة، وقمصانهم وطواقيهم في الـ”لوبي”، نزلنا نريد العشاء في واحد من المطاعم الـ21 مطعماً في الفندق، فقالوا لنا: العشاء هنا له وقت، وبـ”كوبونات” لكن يمكن استدعاء الطباخة، من حساب وقتها وراحتها، وعليكم أن تدفعوا لها، وافقنا، وبدأت أقرأ قائمة الطعام بالروسية، فلما لم أفهم شيئاً، قلت دون تردد: شكل أكلهم يعافه الطير، وهو ما ظهر في الأيام التالية، بطاطا بأنواعها، ملفوف، بيض، وشحوم ولحوم باردة، وأشياء كثيرة معصودة يشعرك أكلها بأنك تعض يد ربيعك، حتى اهتدينا إلى مطاعم تقدم أكلات الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي، والتي أكلها قريب من الأكل التركي والفارسي، حينها عرفنا كيف نتجول، ونزور الأماكن، ونتسوق، فليس مثل البطن الخالي عذاب، أما المطعم الوحيد للأكلات السريعة، والذي افتتح قبل أشهر قليلة، فلا تفكر أن تدخله، لأنه يحتاج أن تصف في طابور لا ينتهي، وهناك من يصطف ليبيع دوره، مقابل وجبة أو روبلات.
بعد مضي أيام قلائل، عرفنا سر موسكو، وعرفنا أين يمكن أن نجد أشياءنا التي نحبها، واختلفت تلك الخشونة التي تطبع الأشياء، حتى أننا وحينما ودعناها حزينين بعد أسبوعين من الزيارة، رجعونا من المطار، بسبب لوحات اشتريناها دون ختم أوراقها الرسمية، لكننا كنا فرحين بالعودة ثانية لمدينة نحبها، وكأننا نعرفها منذ زمان!


amood8@yahoo.com