يحتاج الإنسان للدعابة والفكاهة وخفة الظل، كحاجته إلى الغذاء، فبالنكتة تطيب النفس وينتعش القلب، وتستعاد حيوية دورة الحياة، فالدعابة ضرورة ولا بد للإنسان منها، وكلنا بحاجة لها ولا تقتصر على أناس بعينهم، ولا يعني أن من يقتضي عملهم أو وضعهم الاجتماعي أن يكونوا جادين، طوال الوقت، فلابد لهم من الترويح عن أنفسهم حتى يعود إلى حياته العملية بكل نشاط وحيوية. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو نواجذه، وقال علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: روحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة فإنها تملّ كما تملّ الأبدان. ألف ابن الجوزي - الحافظ جمال الدين أبا الفرج عبد الرحمن القرشي البغدادي( 510 - 597 هـ)، كتاباً في منتهى خفة الظل «أخبار الحمقى والمغفلين» ليقابل به كتابه الآخر «أخبار الأذكياء»، وابن الجوزي ذلك الرجل الذي يقتضي وضعه الاجتماعي الجد والوقار، فهو من الفقهاء والمفسرين والمحدثين، لكنه جُبل على الفكاهة والظرف، وله أسلوب رفيع جاذب يسوق القارئ أو السامع إلى الضحك مرغماً، ولم ينقص ذلك من قدره واحترامه لدى الناس والعلماء على حد سواء. يذكر ابن الجوزي نكتة عن معاناة زوجات الكتّاب والصحفيين، فقدت تزوج أحدهم امرأة فجلس في بعض الأيام يكتب شيئاً، والمحبرة بين يديه، فجاءت أمها - حماته - فأخذت المحبرة فضربت بها الأرض فكسرتها، فقال لها: لماذا؟ فقالت: هذه شرّ على ابنتي من ثلاثمئة ضرة! ويروي أن رجلاً بات في دار آخر، فانتبه صاحب الدار في الليل، فسمع ضحك الرجل في الغرفة، وهي في الأعلى، فصاح بضيفه: يا فلان، قال: لبيك، قال: كنت في الدار- أي الطابق الأرضي- فما الذي رقاك إلى الغرفة؟ قال: قد تدحرجت فقال: الناس يتدحرجون من فوق إلى أسفل فكيف تدحرجت أنت إلى فوق. قال: فمن هذا.. أضحك! واستعار أحدهم كتاباً من الفقيه أبي حامد الأسفراييني، فرآه أبو حامد قد وضع عليه عنباً، ثم سأله الرجل بعد ذلك أن يعيره كتاباً فقال له: تجيء إلى المنزل! فأتاه فأخرج إليه الكتاب في طبق وناوله إياه فقال الرجل: ما هذا؟ قال: هذا الكتاب الذي طلبته، وهذا الطبق تضع عليه ما تأكله. ويذكر أن شاعرين جاءا إلى بعض النحاة، فقالا: اسمع شعرنا وأخبرنا بأجودنا، فسمع شعر أحدهما وقال: ذاك أجود، قال له: فما سمعت شعره! قال: ما يكون أنحس من هذا قط. Esmaiel.Hasan@admedia.ae