في البداية أحب أن يتفهم قراء عمودي أنني لا أقصد من خلال القصة التي سأطرحها الجانب السلبي من الحياة، وأنني إنسانة متشائمة، بقدر أنني شخص أتفهم أننا في يوم من الأيام مفارقون لهذه الدنيا بحلوها ومرها، تاركين وراءنا مهما علا شأننا كل ماحصدناه، لذا أحببت أن يكون طرحي هذه المرة بوصايا ثلاث تختصر الحديث عن الدنيا ومافيها من خلال أفعال قائد كبير عُرف في مشارق الدنيا ومغاربها، هو الإسكندر المقدوني الذي عرف بثراه وقوته وامتلاكه ملذات الدنيا وغيرها، وكيف اختصر حياته بثلاث وصايا قبل أن يموت وأتمنى أن يفهم القارئ كما فهمت أن جميعنا راحلون، وأن نعلم أننا مهما طالت بنا الأيام فحياتنا ما هي الا رحلة قصيرة ما بين الخلود والموت، وأننا لابد وأن نفارقها. الإسكندر المقدوني، وبعد عودته من إحدى المعارك التي حقق فيها انتصاراً كبيراًَ، وعند وصوله إلى مملكته، اعتلّت صحته ولزم الفراش شهوراً عديدة، وحين حضرته المنية، وهو يملك مشارق الأرض ومغاربها، أدرك حينها أن انتصاراته وجيشه الجرار وسيفه البتار وجميع ماملك سوف تذهب أدراج الرياح، ولن تبقى معه أكثر مما بقت، حينها جمع حاشيته وأقرب المقربين إليه، ودعا قائد جيشه المحبب إلى قلبه، وقال له: إني سوف أغادر هذه الدنيا قريباً ولي ثلاث أمنيات أرجوك أن تحققها لي من دون أي تقصير، فاقترب منه القائد وعيناه مغرورقتان بالدموع وانحنى ليسمع وصايا سيده الأخيرة. قال الملك: وصيتي الأولى.. أن لا يحمل نعشي عند الدفن إلا أطبائي ولا أحد غير أطبائي. والوصية الثانية.. أن ينثر على طريقي من مكان موتي حتى المقبرة قطع الذهب والفضة وأحجاري الكريمة التي جمعتها طيلة حياتي. والوصية الأخيرة.. حين ترفعوني على النعش أخرجوا يدي من الكفن وأبقوهما معلقتين للخارج وهما مفتوحتان. حين فرغ الملك من وصيته قام القائد بتقبيل يديه وضمهما إلى صدره، ثم قال: ستكون وصاياك قيد التنفيذ وبدون أي إخلال، إنما هلا أخبرني سيدي عن المغزى من وراء هذه الأمنيات الثلاث ؟ أخذ الملك نفساً عميقاً وأجاب: أريد أن أعطي العالم درساً لم أفقهه إلا الآن ، أما بخصوص الوصية الأولى، فأردت أن يعرف الناس أن الموت إذا حضر لم ينفع في رده حتى الأطباء الذين نهرع اليهم إذا أصابنا أي مكروه، وأن الصحة والعمر ثروة لايمنحهما لنا أحد من البشر. وأما الوصية الثانية، حتى يعلم الناس أن كل وقت قضيناه في جمع المال ليس إلا هباء منثوراً، وأننا لن نأخذ معنا حتى فتات الذهب. وأما الوصية الثالثة، ليعلم الناس أننا قدمنا إلى هذه الدنيا فارغي الأيدي وسنخرج منها فارغي الأيدي كذلك. كان من آخر كلمات الملك قبل موته: أمر بأن لايبنى أي نصب تذكاري على قبره بل طلب أن يكون قبره عادياً، فقط أن تظهر يداه للخارج حتى إذا مر بقبره أحد يرى كيف أن الذي ملك المشرق والمغرب، قد خرج من الدنيا خالي اليدين. Maary191@hotmail.com