تشمخ الشجرة بثباتها الأزلي في مكان واحد من دون رغبة في الخلاص من قدرهـا، ومـن دون نيـة للابتعـاد أو الاقتـراب أو المشـي بعيداً. وبذلك تتخلص من واجبات وعادات الذهاب والإياب، واستمرارها في المكان نفسه لا يمنعها من الحصول على كل ما تحتاجه للاستمرار في الحياة، كما أن الأشجار لو تحركت خطوة أو خطوتين إلى الأمام أو الخلف تموت.
وقليل من البشر من يدركون حكمة الشجرة التي تقول: كل الأرض بيتي.يشمخ الجبل ثابتاً في الجاذبية متحدياً البرق والزلزال. على قمته البعيدة تنكسر الغيمة المغرورة حين ترفع أنفها للعالي غير مدركة أن داخلها خواء. ومن عادة الجبال أنها لا تلتفت إلى مناوشات السفح، أو مضايقات الريح المعادية والمتعاكسة حتى لو اشتدت في الأزمات. وقليلون فقط من يدركون حكمة الجبل، ويتمسكون بالبقاء في القمة مهما عاندتهم منغصات المتطفلين ودسائس الغدر،
شامخاً متعالياً على فكرة السقوط، يحلق النسر في الآفاق الرحبة سيداً على المدى، ملكاً على القمم. لا تزعجه سوى طائرات الحرب حين تدور في طاحونة النار، وتحرق الشجرة والوردة والملاك. عندها يلجأ النسر الى الانطواء على شموخه محتضناً وحدته. والبعض فقط يدركون حكمة النسر التي تقول إن البقاء وحيداً على عرش بعيد خير من أن تكون مجرد واحد من القطيع.
بعض البشر يطاردون الشموخ، ويتعلقون بحباله الذهبية حتى لو كلف ذلك حياتهم. وهؤلاء وإن كانوا قلة، إلا أن صنيعهم يفوق ماتقوم به الجماعات. والشامخ هو من يطوي سجادة اليأس ويختار أن يمشي على الشوك والنار من أجل هدفه الصعب. وهو من يكسر عنق الرتابة، ويقفز من كرسي الانتظار منتمياً الى الفعل ومتفوقاً على التردد، وهو من صفات الجبناء. وفي حياتنا العامة يتحول الشموخ الى قيمة قد نراها في الأصم حين يرفض أن تهزمه الإعاقة فيذهب الى الخوض في بحر الموسيقى، وفي المشلول حين يزحف من غرفة الندم ليصل أول المنتصرين في سباق الإرادة. هكذا تدور قيمة الشموخ من كائن الى آخر، وبدرجات متفاوته. والمعاني العظيمة، عندما تزرع في النفوس تخلف بدورها الأعمال العظيمة التي تكون ثمرتها الصروح الشامخة التي تتحدى الزوال باقية في التاريخ والوجدان، ويمتد أثرها مثل ضوء الحقيقة الناصع من جيل إلى جيل.
أيها الشموخ
يا نبع الشمس في ليل المستحيل
لا ترتوي أرواحنا إلا بنبضك
إلا بمعناك يتدفق في عروقنا ونكبر
نحتضن المدى في كفنا
ونعانق البعيد ونحن هنا

akhozam@yahoo.com