“ألقى التطور التكنولوجي بظلاله على كل المحيط بنا، فمنذ تفجر ثورة البخار، ثم اكتشاف الذرة، وبروز العصر العلمي الحديث، وسيكولوجية التطور التقني في المجالات كافة، ثم مجيء عصر (الإنترنت) الذهبي، فتح باب تداول المعلومات التكنولوجية على أوجها، والعلم يسير بخطوات واسعة إلى الأمام”. هذه الفقرة المثقلة بالكلمات العلمية، تبدو أقرب إلى “بروشومة” طالب كسول يروجها بائعو “البراشيم” في موسم الامتحانات، وبهذه المناسبة نبارك لكم ختام الفصل الدراسي الصيفي الحارق، وندعوكم لتفتيش كتب الأولاد بحثاً عن “البراشيم”، وعباءات البنات بحثاً عن “النوتة”! الغش في الامتحانات له فنونه الخاصة، يعرفها طلابنا جميعاً، فمن الوسائل البدائية في الغش مثل النقل من الزميل المجاور “مع أنه يجلس على بعد متر”، إلى الهمهمة بالسؤال للزميل المجتهد، بحثاً عن إجابة، تحول الغش إلى علم قائم بذاته، يبدع فيه المبدعون ويتفوق فيه الكسالى! كانت الأقلام الجافة ممنوعة في امتحانات مدرستنا؛ لأن طالبة مجتهدة في الغش حفرت برأس دبوس معادلات الرياضيات على القلم الجاف، وتفوقت طالبتان في تعطيل “المروحة” لرسم خرائط الجغرافيا على أجنحتها الدوارة، أما الآلة الحاسبة، فقد كانت مملوءة بالنظريات المكتوبة بالرصاص لغرض التذكير والمساعدة على الحل. اليوم صار الغش تقنية خاصة، ابتكر عشاقه قصاصات مطبوعة بالكمبيوتر بحروف لا ترى إلا بالميكروسكوب، و”براشيمه” تباع في السوق السوداء، وله سماعات فائقة الصغر تعمل بالبلوتوث وتدس داخل الأذن، مزودة بحساسات خاصة تلتقط أضعف الأصوات. موضوع الغش في مدارسنا موجود ومعروف، وهو مرتبط بمناهج الحفظ والحشو الكثير الذي يطلب من التلميذ حفظه ثم يمتحن فيه، ويرتبط أيضاً بالمعلومات التي لا داعي لها، وغير المرتبطة بحياة الطالب بشكل مباشر، فتجده لا يحفظها ولا يتعب نفسه في استيعابها ومحاولة تحليلها، الأمر الذي يرسله في نهاية العام إلى بائعي “البراشيم”. على عكس ما يؤكد الكثيرون لا يرتبط الغش بالطالب المهمل أو الكسول، بل هو فخ يقع فيه أكثر الطلاب اجتهاداً في بعض الأحيان؛ لأن حرص الأهالي المبالغ فيه على ضغط أعصاب ولدهم كي ينجح يجعله يلجأ إلى هذا الدرب كي يضمن أن علاماته ستظل مرتفعه ونسبته عالية. يلجأ الطالب المجتهد أو ذو التحصيل العالي للغش يدفعه انعدام ثقته بحفظه وذاكرته، فالمنهج أطول وأكبر مما يستطيع، ويؤرقه وجود امتحانين في يوم واحد أحياناً، وتهديدات والديه له وتحذيرهم من انخفاض درجاته ولو نصف درجة. الغش في مدارسنا واقع يحتاج إلى إعادة نظر، ومن غير المنطقي أن يحمل الطالب وحده مسؤولية لجوئه للغش، فالمنهج وأسلوب الدراسة غير المشجع والضغط النفسي الذي يسببه الأهل، كلها عوامل تؤدي في النهاية إلى أن يسهر الطالب ليلة الامتحان ليجهز “البراشيم”، عوضاً عن استرجاع المنهج.