لا أدرك مدى تدليل والدتي لهذا الشاب الوسيم عندما كان صغيراً ولكني كنت أسمعها دائماً تقول له: ياصغيري وتقول لنا: “لا تقولون له شي ترى هذا آخر العنقود”. فأيقنت بأن هذه العبارات هي طريقتها في تمييزه والعطف عليه بحفنة أكبر ولأن الصفات لا تنطبق علينا، لم نعترض أو نفترض. ومذ بدأت أكتب أعمدة أتظلل تحتها وصار يقرأها حتى اصبح يسألني صباح كل يوم الجمعة: “عمودك الياي فيه اسمي؟” هذه الجمعة قررت أن أكتب اسمه واُعَرفُ العالم على النعمة التي وهبني الله اياها فأشكر والداي عليها كما أدعو لهما في كل صلاة. كنا من المدرسة عائدين عندما قال لنا بالخير “ترى امكم ربيت ويابت ولد”. وكنت أنتظر معلومات أكثر عن الشكل، والاسم ولم يزد والدي في الحديث وهم بالانصراف فهرعت وراه بسؤال جوهري: “متى بترد امي البيت؟” لانني أعي ان أسئلتي كلها ستلقي جواباً عندما أراه. فرد باستعجال: “عقب.. عقب وفي ذات المساء أجاب بالخير سؤالي فقال: “اخوكم ما بيبات بليا اسم، سميناه ظافر وامكم باكر بيرخصونها من المستشفى”. وفي اليوم التالي أتت به جميلاً، ضئيلاً قليل الصياح، نظيفاً و”يلق”، يفوح منه الدهن عود الذي تَذُكُرُ اُمي الله والرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما تضع بعضاً من قطراته الزكية والغالية الثمن في اذنه وكنا نلوي عليه حتى يبقى شيء من ذلك العبير على ثيابنا، ومن أهم ميزاته آنذاك أنه كان “مقمط “دائما ما سهل علينا جميعاً حمله والتنقل به في جميع ظروف الزمان والمكان. ولقدوم ظافر الفضل في اهتمامي بأهازيج تنويم الأطفال فلقد كانت والدتي “تهاوي به” بانسجام حتى يغفو وُتصَبِحُ عليه وتُمَسِيه بأعذب الألحان و الكلمات. فلقد كان وسيلتها الوحيدة للتنفيس عن تضاريس الحياة ففسح لها مجالاً للغناء والهمهمة وفي حضرته لم يكن اداؤها مجرد حجة واهية للغناء والإبداع. لجميع أفراد العائلة أسماء صغيرة مُستَمَدةٌ من موقف أو حدث. ولم يكن لظافر اسم حتى أتى اليوم الذي طلبت فيه امي من أخي طارق الذي يكبر ظافر بسنة ان يقول ظافر فرد عليها: “باتيه”. ما أثار فضولها فسارت تردد عليه ذلك في أوقات مختلفة وأماكن متعددة إلى أن وجدت الرابط فهذا الصغير كان محباً للاستحمام حتى أطلقت عليه أسم “بطة” وما تسمية أخيه إلا تحوير لذلك الاسم. اليوم هو “ابو علياء” هو محل فخرٍ له ولنا ففي ذلك رد للجميل وتبادل للأسماء ولكنا نشرك الصغيرة فندعوه احياناً بـ “بو البنات” هذا الرقيق اخي خفيف الظل و اعشقه لاحترامه للمرأة ولحبه اللامتناهي لبناته. يقول لي: لقد أنار الله حياتي بهن ولا يتصور أحد مدى فرحتي بقدوم علياء ثم مريم. ظافر بالخير مثابر في عمله، ويرهقه كما يؤرقني ظلم مرؤوسيه له فيبقى “واثق الخطوة يمشي ملكاً”، وهو صادق وروحي منصهرةٌ في تفاصيله وفي هدأة نفسه إخلاص ينأى عن الشوائب حفظه الله لأهله و للوطن. على هذا السنع أحسن تربيتنا بالخير وخديجة، وعندما أضمه لقلبي نرفع صوتاً يدعو لهما “ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا”. bilkhair@hotmail.com