كشفت الشعوب العربية عن مصطلحات ثقافية عدة، وبينت الأحداث مخرجات لغوية جسدت من خلالها جمالية اللغة العربية في ذاكرة الزمن، وقد أثرت خاصية الثقافة حين ردد الجمهور الشعر العربي الرصين، وعاد ذلك القاسم المشترك ما بين الشعر والحراك الشعبي إلى سياقه العفوي، وكأن حالاً أخرى للثقافة العربية تتجدد تثير الأمصار والبلدان، لتهتف بالكلمات نفسها وتتجلى وحدة لسان المخرجات الثقافية. لم يغب المنتج الثقافي الذي تباعد أو استبعد عبر الزمن، ولم تتباعد عوامله الهادفة، وقد أثبتت آليته الحاضرة أن المجتمع العربي ما زال حياً في ذاكرة العالم إلا أنه يبقى متعطشاً لثقافته الحقة، تلك الثقافة التي غيبتها المنهجية العربية ورسمت لها معالم وحددت لها سياق اللاعودة، لكن الأحداث الأخيرة تثبت أنها ما زالت تعشش قي ذاكرة الشعوب، وما أفرزته التجليات الأخيرة من ترسبات لغوية دليل صارم على أن المنهجية السياسية لا تستطيع أن تمحو الإرادة الثقافية، ومهما تغذي الأجيال من إفرازات ثقافية لمصلحة منهجيتها إلا أن التكوين الثقافي يظل ماثلاً ومتجدداً. ولا تدل الأحداث الماثلة على أنها دعوة ثقافية تأملية، إلا أنها على نهج التكوين الثقافي المختلف، ولها مزيج ما بين المنتج ومخرجاته المختلفة، وما بين ملمح التحول وبقاء الثبات الثقافي، ومن خلال هذا التباين كان مؤشر العزلة ما بين الشعوب العربية يتجلى في التعرف على بعض المصطلحات، ومما أبرزته الأحداث الأخيرة في سياق ما تردد خلالها من مصطلحات، أن الشعوب العربية لا تعرف بعضها جيدا وليس لديها تبادل ثقافي حقيقي. كان يستشف ذلك من خلال حالة التعبير والحالة المقابلة، حيث تجلت اللغة عرضاً وانكشفت بعفوية، وعرض الشتات الثقافي وظهر الصوت الشعبي وسط الانكسار وفي حالة التحدي، ووقت التعبئة الشعبية، حيث بدا المشرق العربي بعيداً كل البعد عن مغربه، وبدأت الدهشة في ما أوردته الأنباء من مصطلحات، وكأننا أمام نتاج للتفكك الحياتي والأيديولوجي المتباعد، ما بين الجسد العربي غير المتناسق من خلال أنماطه الفكرية والثقافية. وتجردت حالات التعبير من لافتات وشعارات تاريخية رميت بالادعاء، ورفعت صوراً قد حسبت في ذمة التاريخ ولن تعود. بدا الأمر رداً على الإملاءات السياسية، ورداً على المشاريع، الأيدلوجية الواهية، والأهداف المقترنة بالتباعد الثقافي في المحيط الثقافي الواحد، فكل شيء يوحي بتنمية التباعد الاجتماعي، حتى لا يتبقى من أساس تقوم عليه الأمة الواحدة. إن رياح التغيير الآتية تجر خلفها عجلة ثقيلة، فكيف لها أن تكسر بها كل هذه الرؤى السائدة بما فيها ثقافة التخبط، وكيف لها أن تبني تلك الجسور الرصينة في حالة من الغموض التي تحيط بأدواتها وبنضجها الثقافي؟ وهل يكفيها في المباشرة وثقافة الحوار؟ وهل تمتلك ذاكرة ثقافية حقيقية في بناء العرف الثقافي من جديد؟. أسئلة مهمة بلا شك، لكن الأهم أنه مهما كانت الشعوب الثائرة مغيبة، ومهما تم إقصاؤها عبر كل هذا الزمن، فقد استطاعت أن تشعل فتيل الثورة، وأبت أن تظل حبيسة تلك المنهجية.