في إمارة دبي وحدها، وفي عام واحد، بلغ عدد الوفيات في حوادث الطرق 225، و80? من الوفيات على الطرق بسبب السرعة الزائدة.. أرقام مخيفة، ترتعد لها الفرائص، وترتجف الأبدان كون هذه الوسائل المستخدمة “السيارات” التي كان من المفترض أن تكون وسائل راحة وأمان، وتوفير الوقت، وتقصير المسافات، أصبحت بفعل التهور وبالاً وداءً عضالاً لا فكاك منه ولا علاج له.. كل السبل والأساليب والوسائل استخدمت دون جدوى، فالرادارات منثورة في الشوارع بحجم النجوم في السماء، والعقوبات والإنذارات والتحذيرات والتعليمات أعطيت بكل صرامة، ولكن الحوادث مستمرة، ونزيف الدماء يغرق الشوارع، والمكسرون، والمكسحون، والمقعدون يملأون المستشفيات.. أسر فجعت، وزوجات ترملت، وأمهات ثكلت، وأطفال تيتموا، ولكن الأصوات العالية لم تجدِ نفعاً، لأن العدوانية في استخدام هذه الوسائل باتت هي الطاغية، والسياقة العشوائية أو اللامبالاة هي الأسلوب الأمثل الذي يرتئيه البعض، والنتيجة أن مجتمعنا يخسر كثيراً من أبنائه ويفقد طاقاتهم وإمكانياتهم وقدراتهم في دعم مسيرة البناء والنهضة. قلنا في السابق ونعيد الآن القول إن المسألة تتعلق في الأول والأخير بثقافة استخدام هذه الآلة الحادة جداً، وبثقافة التعامل مع الطريق، وبثقافة احترام الآخر، وثقافة تقدير المال العام.. والثقافة لا تقدم مع جرعات الماء ولا بفرض القوانين فحسب، بل يجب أن يسبق كل ذلك التهذيب الأخلاقي، والتدريب على حسن معاملة ما نستخدم، وحتى نستطيع أن نخرج من مأزق التهور يجب أن تكون رخصة السياقة مرفقة برخصة العافية النفسية. ما يحدث في الشوارع بعضه أمراض نفسية من توتر وقلق واكتئاب، هذه العلل بحاجة إلى علاج، ويجب ألا تمنح الرخصة في القيادة قبل حصول الشخص على شهادة تؤكد أنه معافى مشافى من كل العلل المذكورة، ولا ينبغي أن نتجاهل العامل النفسي، ولا ينبغي أن نتعامل مع الإنسان كما نتعامل مع سيارته التي يقدرها، ونمنحه رخصة القيادة لمجرد نجاحه في المرور من الممرات الضيقة أو اجتيازه نقاط التوقف والانطلاق بنجاح. الصحة النفسية للأفراد العامل الأساسي في تحقيق النجاح، والخروج من شرنقة هذه الأزمات المتدفقة سيلاً من دماء وأجساد وأرواح. دول العالم المتحضر عندما يرتكب شخص فيها حادثاً مرورياً ويخالف القوانين يخضع للفحص والتدريب والتهذيب من جديد، ولا يسمح له بارتياد الطريق إلا بعد أن يحقق نجاحه في الاختبارات النفسية، ولا عيب ولا خجل في الأمر كون أن العلاج النفسي هو جزء من الصحة العامة، بل هو جوهرها لتفادي الأخطار والتخلص من هذه الكوارث التي أصبحت وباء منتشراً، إذ لا يمر يوم إلا ونسمع بفاجعة تهز الكيان، فالوعي بأهمية التدريب النفسي هو الخلاص الحقيقي من هذه الأحزان والأدران التي تشبثت بمجتمعنا.