يحزنني جداً أن أرى شخصية سياسية، أو ثقافية، أو إنسانية تشكل في نفوس الناس صوراً زاهية، تتألق مع مرور الأيام إلى أن تصل إلى الذروة، ولسبب من الأسباب التي تكشف معادن الرجل نجد هذه الشخصية تسقط كورقة لوز، ساقتها الريح إلى الحضيض.
بعض هذه الشخصيات، في بلد من بلاد الثورات العربية، بعد سقوط النظام، لم يصدق خبراً أن يستجيب للنائب الذي خلف الرئيس الذاهب بعيداً، فاعتلى منصباً ثقافياً مهماً، ولكنه لما شعر بأن الرياح بدأت تعصف بحكومة النائب سرعان ما تدارك الموقف، وتلوَّن بسرعة البرق واستقال، وراح يكيل السباب على الحكومة التي استقال منها، ويوبخ ويؤنب ويستنكر ويطرح شعارات ثورية أكثر من الثوريين.
وآخر لأنه يريد أن يترشَّح، ويريد أن يقطع من الكعكة مركزها ومحورها، فإنه اتهم النظام السابق بأشد نعوت الشر واعتبر نفسه بريئاً مما اقترفه ذلك النظام، مع العلم أنه كان في يوم ما جزءاً من هذا النظام، بل وكان طبّاخ سياسته الخارجية والداخلية.. سبحان مغير الأحوال وبعد أن تحوَّلت بعض نظم الحكم في بلداننا العربية إلى طرائق قدد، صار من السهل على المتسلقين والمنافقين أن يقذفوا الماضي وأن يرموه بألف حجر، ووابل من أساليب القدر والمكر.
التلون، والتفنن في حياكة الأساليب الملتوية شيمة من شيم الذين يعيشون كالطفيليات، ولا مبدأ لهم غير إمساك العصا من المنتصف.. فكيف يمكن أن يكون نظام ما في عين المتزلفين في مرحلة من المراحل هو الوجود كله، وهو الخلود وأهله، ثم في لحظة من الزمن يتحوَّل هذا النظام إلى شيطان رجيم، ومعتد أثيم، وغادر لئيم؟! كيف؟! أليس من السخرية أن تصبح مواقف الرجال أشبه بمواقف السيارات في قرية لم ترصف إلا أجزاء من شوارعها، والبقية إلى إشعار آخر؟.
أليست هذه المواقف تعبر عن رجال بلا مواقف ولا قيم، وأن كل ما يطرحونه مجرد إثمد لإزالة قذى العين، جراء الغباء الذي فعلته الثورات.. أليست هذه المواقف من فعل رجال التهموا الشعارات فصارت جزءاً من حياتهم الملوثة بالزيف، والحيف، واهتراء المبادئ.. بطبيعة الحال لست مع من أنزلوا عن كراسي الحكم، ولكن لا أشعر باليقين أبداً من رجال مبدأ الخير والشر، مقياسهما النفعة.. كان يجب على هؤلاء أن يصمتوا على أقل تقدير، وألا يهلوسوا ويشمروا عن سواعد تزيف البطولة بوضوح وجلاء.
فهذا الرئيس الذي يذمونه اليوم كان البعض ينحني له طائعاً صاغراً، قائلاً: كلام سليم يا ريس.. كان هو البيه.. وكان الباشا.. واليوم كل هذا الكلام يتلاشى.


marafea@emi.ae