الدعوة الكريمة التي وجهتها دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة من خلال مركز الشارقة للشعر الشعبي لحضور ندوة تتناول سيرة عملاق الشعر الشعبي الإماراتي، راشد الخضر، بمناسبة الذكرى الـ 30 على رحيله، هي واحدة من المبادرات القيمة التي لا تغيب عن فطنة ورهافة حس صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، فقد أعادت هذه الندوة التي احتفى بها الوسط الثقافي الإماراتي الكثير للرجل الذي أعطى الكثير للشعر الإماراتي وبات بعطائه أحد أهم علامات الإبداع في القرن العشرين. فهو راشد بن سالم بن عبد الرحمن بن جبران السويدي المولود في عجمان، وتحدى بعبقريته ظروفاً قاسية كانت كفيلة بتحويله إلى رمز من رموز الشعر النبطي في الإمارات، فقد عاش حياة قاسية وحرماناً منذ مولده في عام 1905 وحتى مماته في أكتوبر من عام 1980 ففي الثامنة فقد والده، وبعدها بسنوات قليلة توفيت والدته، ولحق بهما شقيقه الأكبر عبدالرحمن في سن الثامنة عشرة، وكان شاعرنا يصغر أخاه بسنتين.. هكذا بدأ الخضر معركته مع الحياة قبل أن يكمل عامه السادس عشر، وتفجرت ينابيع الشعر في نفسه الأبية التي حولت الحرمان في حياته إلى عطاء تمثل في أجمل ما أنجبته القريحة الشعرية خلال النصف الأول من القرن العشرين. ورغم أن الخضر رحل عن دنيانا قبل ثلاثين عاماً، فقد رسخ شعره في الذاكرة الوطنية ومازال حتى بعد أن تغيرت الظروف في الألفية الجديدة، فقد استفاد من شعره الكثير من الفنانين الإماراتيين مثل الفنان المعتزل علي بوروغة، أو الفنان ميحد حمد، وغنى له الفنان الكويتي عبد المحسن المهنا أحد أروع قصائده «خدلج» التي حملت أسم ديوانه الأول يقول فيها : « انا الظميان وانتـه المـاي بـارد وزندي جل مـن هـف المبارد نحيل القلب مـن سحـل المبـارد وجسمي مثل شعر الزنـد وانحـل». والمتذوق لأشعار راشد الخضر يجد أنه يستخدم ثلاثة عناصر رئيسية في قصائده أولها تضمينه آيات القرآن الكريم في أشعاره وثانيها الماء الذي احتل مساحات واسعة في أشعار الخضر، إلى جانب براعته في استخدام المتضادات التي تظهر المعنى يقول الخضر: «حلـم الملـك ماطـاف عنـي سبع سمـان و سبـع عجـاف السنبـلات الهـيـف يـنـي ما شفت مخضرات الاطـراف». لقد رحل الخضر بجسده وظلت أشعاره لليوم شاهداً على أن عبقريته وعفويته التي تجلت في ما وصل إلينا من أشعار بات العامة يحفظونها لفرط حلاوتها ومدى تعبيرها عما يجيش في صدورهم.