انطلقت منذ أسبوع حملة “يا رب تحترق المدرسة” على أجهزة البلاك بيري ومنتديات الإنترنت، وقد مرّت عليّ لليوم أكثر من خمس وعشرين رسالة تحوي أدعية على المدارس والمدرسين ونكتا حول الامتحانات والمذاكرة! هذه الحالة الفكاهية يعيشها طلابنا كل عام مع اقتراب الامتحانات التي لا يذاكر أغلبهم لها إلا في ليلة الامتحان، وتعكس نفسية الطلاب الذين لا يحبون المدرسة أساسا ولا يستسيغون النهوض المبكر للذهاب إليها ويتمنون لها الاحتراق كي يأخذوا إجازة! بالطبع حالة عدم حب الدراسة والمدارس ليست حديثة النشأة ولم تكن مقصورة على جيل معين ولا تمثل ظاهرة إماراتية فقط، فهي موجودة منذ ظهر التعليم النظامي، فأديسون مثلا لم يكن يحب المدرسة ولم يفلح فيها، ومسرحية “مدرسة المشاغبين” المصرية تعكس الظاهرة المتجددة برغم أن عمرها تعدى ثلاثة عقود. وفي الثمانينيات والتسعينيات كانت كراهية المدرسة ميزة ذكورية يختص بها الصبيان الذين ابتكروا من المقالب ما جعل أكثر الأساتذة صبرا “يطفش” من التدريس، وصالوا وجالوا في مسألة ابتكار أسباب الغياب والقفز من فوق السور، وأبدعوا في صياغة الأشعار التي توضح كراهيتهم للمدرسة ولم يثنهم عنها “الدواويح الحمراء” و”الكيكات” ولا حتى عصا الوالد ذات الصوت المفزع والضربة الحادة! اليوم صار التعبير عن عدم حب المدرسة أكثر قوة وتأثيرا، واستخدموا له من الوسائل التقنية ما يجعلك تصفق الكفين حسرة وتقول: شر البلية ما يضحك، إنهم يكرهون المدرسة، هذه حقيقة، لكن الحقيقة الأهم أن المدرسة لم تستطع برغم كل التقنيات كسب محبتهم! منذ عدة أيام نشر تصريح على لسان روبرت مردوخ “صاحب امبراطورية نيوز كوربوريشن News corporation الإعلامية”، يقول فيه إن كل مجالات الحياة تغيرت إلا المدارس، وأعتقد أني ولأول مرة في حياتي أوافقه الرأي، لأن المدارس لم يتغير أسلوب التعليم فيها أبدا، ولم تؤثر وسائل العرض العلمية والسبورات الذكية والكمبيوترات وغيرها على أسلوب التعليم، فاليوم ينصرف الطلاب وبعضهم لم يفهم ما قاله المدرس، ويدرسون أشياء لا يستفيدون منها في حياتهم العملية بعد ذلك، فمع كثرة الحشو الذي درسناه والمعادلات الرياضية والفيزائية وتحليلات الكيمياء لم نستعمل إلا 1% فقط أو أقل عندما دخلنا للحياة العملية. يمر العالم كله بأزمة تعليم، ولم نجد لليوم المجدد الحقيقي لأسلوب “الكَّتاب” الذي يدرس به الطلبة، ولم يتوصل شخص لطريقة أفضل تكتشف قدراتهم وميولهم وتوظفها بما يفيدهم منذ الصغر، وإلى ذلك اليوم الذي يخرج للعالم مجدد التعليم فيه، علينا أن نضحك على عبارات الطلاب الذين ألحوا بالدعاء من قلوبهم “الله يحرق المدرسة”.