الأمهات شتلات، منهن نافعات، وأخريات تالفات، والأم هي المكان وهي الزمان، وهي الميزان الذي من خلاله يتم إخراج النوعية من الأبناء، سواء كانوا صالحين أم طالحين. وفي هونج كونج تتربى الأمهات على الصرامة، لتنشئة أطفال منتظمين، ملتزمين بأخلاق التعليم الجاد، والذي يبدأ من سن الحضانة، مجتمع هونج كونج المشبع بقيم الكونفوشيسية، والتي تشربها الشعب الصيني منذ ما يقرب من 3000 سنة قبل الميلاد. عندما نقرأ هذا الخبر، ثم نقرأ خبراً آخر مغايراً له في القيم والمفاهيم والأخلاق الإنسانية، خبر العثور على طفلين لقيطين في الشارقة، نشعر بالمرارة والحزن والاشمئزاز من صورة امرأة تخلَّت عن فطرتها، ومكانتها الإنسانية العالية، وتجاوزت حدود المنطق، وذهبت لاهثة متهافتة خلف نزوة طارئة ثم ألقت بالنطفة الطاهرة على قارعة الطريق، ولولا عناية الله، ورعاية الناس الطيبين، لكان الجسدان الصغيران قد صارا خرقاً بين أنياب الكائنات الباحثات عن رمق الحياة. فالقطط والكلاب، عندما تلد يلوذ بها صغارها بعيداً عن الخطر وتأويهم في مآل الأمان والاستقرار، لأنها فُطرت على التعلق بهذه الكائنات الصغيرة التي جاءت من دمها ولحمها. ولكن هذه الأم وتلك اللتان تخلتا عن القلب وعن الفطرة، واستولى على مشاعرهما تشظي الرغبة الجامحة، فارتكبتا أكبر معصية عندما ألقتا بهذين الضعيفين عند نواصي الخبر ليلقيا مصيرهما، دون رأفة، أو ذرة من ضمير.. تخيلت لو أن هاتين المرأتين، سمعتا أو قرأتا خبراً مفاده أن عمال النفايات عثروا على أجزاء من جسد إنسان في قلب الزبالة، فماذا سيكون شعورهما، وهل ستشعران بالندم، وتلعنان تلك اللحظة التي غدرتا فيها بالصغيرين ونفتاهما عند المهملات وهما تعرفان المصير؟.. هل ستشعر أي منهما بالألم، وتتحسس بطنها وتقول في نفسها: ليتني لم أفعلها؟ ولا أدري، ربما يكون ذلك يحصل لإحدى المرأتين، ولكن بعد فوات الأوان حيث لا يفيد الندم.
الآن الطفلان في رعاية مستشفى القاسمي، ولأن الطفلين محظوظان فإنهما وقعا في أيدٍ أمينة، أيدٍ تقدم دائماً الخير، دون أن تنتظر جزاء أو شكوراً، أيدٍ اعتادت على الامتداد باتجاه المعوز، وعابر السبيل، ومن انقطعت به الطرق، أيدٍ تجد نفسها في مساعدة الناس، وتقديم العون لكل محتاج.. هذه هي الإمارات دائماً وأبداً سبّاقة في إضاءة عيون الناس، بأعمال الخير، وكل ما أتمنى هو العثور على المرأتين المتواريتين، لتنالا العقاب المستحق، لأن من يعذب أو يقتل الطفولة، فإنه يبيد الحياة، وينشر آفة البغض والتشرد والعدوانية. أتمنى أن يتم القبض عليهما، لتريا طفليهما أمام عينيهما، ولتقارنا بين ضمير حي وضمير غائب، وعسى ولعل بعد المقارنة تتم المقاربة، ثم صحوة جديدة لضميرين غابا أو غيّبا لفترة من الزمن.. فاحتواء الطفلين في ملجأ أو مأوى لا يكفي، فعلاج المشكلة يبدأ من البحث عمن ارتكب الجريمة.


marafea@emi.ae