يلفت نظري موقف المرأة التي أكملت تعليمها الجامعي وحين تزوجت لم تلتحق بأي وظيفة واختارت أن تمنح وقتها واهتمامها لعائلتها وبيتها، وأتوقف طويلاً وكثيراً أمام هؤلاء النسوة اللواتي اتخذن قراراً بعدم الالتحاق بالعمل الرسمي ومع ذلك فهن سيدات مجتمع على جانب كبير من النجاح والثقافة والنشاط، لا أقول ذلك تقليلاً من شأن السيدات العاملات أو الملتحقات بالعمل - لا سمح الله – ولكن لأن هؤلاء السيدات لا يحظين عادة بأية التفاتة اجتماعية أو إعلامية مع إنهن يقمن بأدوار كبيرة جداً لكنها بعيداً عن الأضواء.
إن السيدة التي تختار عدم الوظيفة لأنها تعتقد أن وظيفتها في الأسرة والبيت أكثر أهمية لهي امرأة على جانب كبير من الوعي واليقظة بدورها أولاً وبواقعها الاجتماعي ثانياً وبآليات العمل نفسه كاحتياج نفسي وكعملية اقتصادية، فمن ليس بحاجة للعمل مادياً لماذا يعمل طالما أن للعمل هدفاً اقتصادياً معروفاً، ومن تعتقد بأن وجودها داخل بيتها أهم وأخطر وأنفع من وجود الخادمة والمربية والطباخة وجليسة الأطفال فلماذا تدفع بأسرتها للخطر ثم تأخذ في الشكوى بعد ذلك من تأثيرات الخدم وانحرافات الأبناء وغياب الزوج وتفكك البيت و... الخ
إن تلك السيدة الكويتية التي تجاوزت المعقول الديني والأخلاق والثقافي وذهبت إلى درجة المطالبة بعودة الجواري ، كان الأجدى والأنفع لها لو أنها ناقشت أسباب هروب الأزواج من البيت وغياب التماسك العائلي وازدياد نسبة الطلاق و... بسبب تدافع كثير من النساء على الوظائف دون حاجة ماسة لهذه الوظائف وإنما لرغبة الكثيرات منهن في الهروب من مسؤوليات البيت والتمتع بحرية الحركة خارجه حتى وإن كان ذلك على حساب أولويات الأسرة.
علينا أن نعترف بأننا حين نقول إن أولويات المرأة المتزوجة بيتها وابناؤها وزوجها فإننا لا نطالبها بالعودة إلى عصر الجواري ولا نعود بها إلى عصور التخلف والحريم كما يدعي البعض، وهي دعوة لا تصطدم مع حقوق المرأة ولا مع متطلبات مشاريع التنمية، بقدر ما نناقش فكرة قابلة للحوار حولها تتلخص في أن عدم العمل لبعض النساء ولبعض المجتمعات أفضل من العمل ومن أي وظيفة قياساً بالمردود والتكلفة الاقتصادية والاجتماعية معاً.
أعرف نساء لا يعنيهن الراتب من قريب أو بعيد، وأعرف على وجه الدقة نساء كثيرات ينفقن على مظهرهن في العمل من ملبس وأدوات الزينة ولوازم الأناقة أضعاف مرتباتهن، كما أعرف أن ما يقمن به من أعمال ليس سوى أمور روتينية لا تدخل ضمن شعارات تحقيق الذات والتعبير عن الموهبة والإبداع، وأعرف ايضاً أنهن أفشل خلق الله عائلياً، أسرة مفككة وزواج على شفا الطلاق وأبناء فاشلون دراسياً، ومع ذلك فإنها مستعدة أن تسمع انت طالق على أن تغادر وظيفتها وتصلح خراب بيتها.. أي منطق وأي حقوق وأي تنمية ؟
لقد تربينا جميعاً على أيدي أمهات فاضلات لم يغادرن بيوتهن إلا للضرورة، وكن في قمة الاحترام صحيح أن الزمان قد اختلف والأوضاع قد انقلبت والمجتمع بحاجة لكل ابنائه لكن من قال إن وجود المرأة في بيتها – بحيث تقوم بكل واجبها كاملاً – ليس ضرورة تنموية واجتماعية واقتصادية من طراز رفيع ؟ نحن بحاجة على ما يبدو لأن نعيد قراءة دور المرأة داخل بيتها في المجتمعات الخليجية من منظور اجتماعي وفق مستجدات الراهن المعقد الذي نحياه وبأسرع ما يمكن. 


ayya-222@hotmail.com