لا أعتقد أن هناك إنساناً يمتلك حريته وقراره بشكل كامل دون أي تأثير من أحد، مهما كان وضع هذا الإنسان.. اليوم أصبح الجميع مسلوب الإرادة والحرية إلا من رحم ربي، فلا يوجد يوم من أيامنا المتشابهة يخلو من الالتزامات العائلية اليومية التي تكبل الشخص منا، وتجعله أسير هذه المتطلبات إلى جانب الالتزامات تجاه الأصدقاء والجيران، وحتى عابري السبيل الذين لا تربطه بهم أية علاقة. أي يوم في حياة أي إنسان منا يكتشف من خلاله أنه مكبل بقيود اجتماعية كثيرة، وأن حريته الشخصية ولحظات الخلوة بينه وبين نفسه قد سلبت منه، وأصبح أسير رغبات والتزامات تافهة قد تظهر للآخرين أنها لا تساوي شيئا. إن مشاكل مثل الطلاق والفراق، وعزوف الشباب والفتيات عن الزواج، والاعتداء على حرمة الغير، وعدد لا يحصى من المشاكل ما كانت لتقع لولا هذه الأعباء التي يراها الكثيرون تافهة، فالإنسان ابن بيئته وما يحدث من مشاكل يومية هو نتاج للضغوط التي تحدث على مدى اليوم، فلا يوجد مجتمع بلا مشاكل مهما بلغت درجة الرفاهية التي يعيشها أبناؤه، لكن هذه المشاكل تختلف في درجة خطورتها على حياة الآخرين من مجتمع إلى آخر، فمشاكل المجتمعات التي تعاني ضيقاً في العيش تختلف بطبيعة الحال عن مشاكل المجتمعات التي تعاني من مشاكل طائفية أو من غياب الأهداف القومية، وهكذا... الغريب في الأمر أنَّ الإنسان المثالي تجاه مجتمعه المحيط به قد يجد نفسه بعد كل هذا العطاء «مقصراً»، ومتهماً في كثير من الأحيان بأنه أناني لا يحب إلا نفسه، وهذا أمر طبيعي لأنانية المجتمعات الحالية التي تطالب الإنسان بأن يكون صورة بالكربون عن الآخرين، مع أن التباين والاختلاف هو أحد وأهم مزايا المجتمعات الحديثة. لقد اجتهد علماء الاجتماع والنفس والبرمجيات العصبية الجديدة في إبقاء إنسان هذا العصر خارج طاحونة الحياة، وبعيداً عن هذه المشاكل والاستسلام للواقع المر المعاش، لكن كل هذه المحاولات لم تأت بالنتيجة التي ترضى عنها النظريات الحديثة، ليبقى الانسان يدير حياته التي لا تخلو من المشاكل بطريقته، وأحياناً يصنع هذه المشاكل حتى يشعر بلذة الحياة، فالطبيب يقاوم المرض الذي يعتبر مصدر عيشه، فلولا الأمراض لاندثرت مهنة الطب، ورجل القانون يطارد الخارجين والمجرمين، مع أن هؤلاء المجرمين أنفسهم هم سبب وجود القانون، فلا حياة بدون مشاكل، والمدينة الفاضلة التي تحدث عنها أفلاطون لم تر النور بعد.. إبراهيم العسم