بينما يركز العلماء في الدول المتقدمة جهودهم لتطوير برامج الاستنساخ من أجل التوصل لعلاج لبعض الأمراض المستعصية، ويطورون أبحاث الخلايا الجذعية للغاية السامية والنبيلة ذاتها للوصول إلى تحقيق حلم البشرية بقهر تلك العلل، ابتليت الساحة الإعلامية العربية بنمط من الإعلاميين تخصصوا في استنساخ برامج غربية، لا سيما التلفزيونية منها، بصورة شوهت تماماً دور هذا الجهاز الذي يدخل كل البيوت من دون استئذان. وشمل أسلوب الاستنساخ البرامج كافة، الإخبارية منها والترفيهية، وتكفلت المسلسلات التركية المدبلجة و”الممطوطة” من عيار 200 حلقة بتغطية بقية فترات بث المحطات المفرخة لبرامج الاستنساخ، كما لو أنها تريد إقناعنا بجدب الإبداع والعقل العربيين.
ولعل أحدث برنامجين يمثلان ذروة الإسفاف والانحدار لهذه البرامج، برنامج “على شط بحر الهوى”، وبرامج “ساعة الحقيقة”، البرنامج الأول يتنقل بين مرافئ الكاريبي بحفنة من المغنين الذين شارفت نجوميتهم على الأفول، وسط زفة وبهرجة مفتعلة، وهو يسوق لنا هؤلاء المؤدين والمهرجين كما لو أنهم القدوة لشباب هذه الأمة.
أما البرنامج الثاني المستنسخ هو كذلك، فأدق تعبير له، هو “لحظة السقوط”، حيث يحاصر مقدم البرنامج المتسابق المشارك بعدد من الأسئلة الشخصية جداً التي يشترط قول الحقيقة في الرد عليها، وهو نسخة طبق الأصل من برنامج أميركي يحمل الاسم ذاته. في إحدى الحلقات يشعر المرء بالرثاء والشفقة لمتسابق يقر أمام زوجته، رداً على أسئلة البرنامج بأنه شعر بالندم للزواج منها، وهما لا يزالان في شهر العسل، وأنه في أحايين كثيرة راوده الإحساس بأنه “تدبس” في هذه الزيجة، كما أن الاعترافات تتوالى كلما ارتفع المبلغ وحجم المال الذي سيحصل عليه في ختام الحلقة، تمتد اليد بسرعة لجهاز التحكم “الريموت” للتخلص من الإسفاف والسقوط اللذين يقتحمان بيوتنا رغماً عنا، ولا نملك لهما رادعاً سوى هذا الجهاز الصغير الذي نضغط عليه بسرعة وانفعال ليرحل بنا بعيداً عن محطات وبرامج الاستنساخ، باتجاه هذا الفضاء الرحب، بحثاً عن محطة أخرى تقدم برامج جيدة، أقل ما فيها أنها تحترم عقل المشاهد ووقته.
في ذات ليلة ذلك البرنامج المقرف، تابعت على محطة فضائية أجنبية رحلة لمقدم برنامج قام برحلة للوصول إلى منطقة تعج بقراصنة اختطفوا يختاً لزوجين ألمانيين، ونجح في إجراء اتصال معهما وترتيبات تأمين فدية تحريرهما، ذلك كان مجرد نموذج لبث محطات أجنبية تولي برامج التحقيقات المنوعة منها أو المتخصصة، وبرامج المراسلين المتجولين، وحتى البرامج الحوارية عناية خاصة، لتظهر بمستوى راقٍ رفيعٍ، يلحظ معه المشاهد حجم الجهد الذي بذل فيه والإمكانات والموارد التي رصدت له، ليخرج بصورة راقية تنتزع إعجاب المشاهد، وتزرع داخله ارتباطاً بهذه المحطة التي قدمت وتقدم له ما يشعره بالرضا والاحترام. ومع كل برنامج متميز يشاهده المرء في تلك المحطات، يعود ليتساءل عن المسؤول عن رواج برامج الاستنساخ، المعد أم المحطة أم الجمهور؟ الذي يحملونه وزر ذلك الشعار المشبوه “ما يطلبه المشاهدون”!!.


ali.alamodi@admedia.ae