في كل يوم خميس، أذهب إلى مطعم العائلات أحد أقدم المطاعم في رأس الخيمة على أمل أن أجد التفاصيل نفسها التي علقت بالذاكرة منذ الصغر، يقال إن الذاكرة تكون قوية وحاضرة إذا ما ارتبطت بالرائحة والطعام، وإن هناك ثمة تواصلاً روحياً تبعثه هذه الذاكرة إلى الأشخاص الذين ارتبطوا بها منذ أكثر من 40 سنة مضت. 47 عاماً مضت، منذ أن دخلت سندويشات الفلافل والفول إلى رأس الخيمة على يد الأخوين فؤاد وجواد بولبدة، مؤسسين بذلك أول مطعم يقدم هذا النوع الغريب على الأهالي من الطعام في تلك الحقبة الزمنية التي ضمت كل ما هو جميل سواء الذي كان يصنعه الأهالي من طعام أو الذي نستورده من الخارج. كانت رأس الخيمة حالها كحال بقية الإمارات على استعداد لتقبل القادم من الخارج، خصوصاً كل من هو عربي منتم إلى العروبة والوحدة العربية في زمن كان الهم فيه مشتركاً بين الجميع في الدول العربية، أذكر جيداً كيف كانت تنظم المسيرات الداعمة للمواقف العربية، وأذكر جيداً كيف أسهم الإخوة الأشقاء من مصر وفلسطين وسوريا والأردن وغيرها من العرب في تدشين الحياة المدنية لهذه المنطقة القابعة على رأس مضيق هرمز، من خلال الإسهام في بناء التعليم والمؤسسات الحكومية والشركات والفنون الأخرى مثل المسرح وتشكيل فرق موسيقية، والإسهام في افتتاح المكتبات العامة والخاصة والكثير من الأمور الحياتية التي جعلت من أهالي رأس الخيمة يتقبلون هذا الأمر وهذه الحياة الجديدة. كان موقع المطعم يتوسط مدرستي القاسمية والصديق ويقابلهما نادي عمان بعد اندماج فرق الشعب والأهلي والاتحاد في كيان واحد، وكانت رائحة الفلافل والفول تصل بشكلٍ سريعٍ إلى فرجان رأس الخيمة، ما يثير غريزة الجوع واللهفة إلى هذا الطعام، بعض من الأهالي كان يسمي الفلافل بالكباب الفلسطيني ويظنها كرات من اللحم قبل أن يستوعب مكوناتها الغذائية. يقول فؤاد “كانت الحياة حلوة بالرغم من بساطتها وكنا نبيع (السندويشة) الواحدة بنصف درهم بعد أن نقسمها إلى قسمين وتلف بالخبز الإيراني قبل أن يأتي الخبز اللبناني وينتشر بصورة سريعة، وكانت العملية تتم دون كهرباء، وكوافدين لم نكن نشعر بالغربة في رأس الخيمة، حيث طيبة الأهالي تغمرك وترعاك وتنسيك بعدك عن الأهل، بعد 47 سنة لا أتحمل أن أبتعد شبراً عن رأس الخيمة انتهى كلام الحاج فؤاد ولم تنته معي تفاصيل ذاكرة يشترك فيها جميع من عاشوا في رأس الخيمة.