لا أدري لماذا تنتابني الحيرة والتردد كمواطنة عربية حيال أحوال العديد من بلداننا العربية هذه الأيام، وتحديداً فيما يتعلق بالحالة السياسية الراهنة، وأحسب أن هذه الحيرة حالة عامة وليست خاصة مطلقاً، فكثيرون ممن أتحدث إليهم مترددون، قلقون، متذبذبون في اتخاذ موقف محدد حيال ما يحصل، انطلاقاً من أن الأمور كلها وضعت على محك الاختيار الصعب جداً أو هكذا أريد لها أن تكون بشكل متعمد، فنحن نتابع ما يحصل مظاهرة مظاهرة، وطلقة طلقة، وقتيلاً قتيلاً، وجنازة جنازة، ثم يقول لنا مذيعو النشرات الرئيسية في التلفزيونات الرسمية، إن الجنازات لشهداء من أفراد الشرطة قتلوا بيد عصابات مسلحة من أفراد الشعب!!
تقول لنا التلفزيونات العربية الرسمية والصحف العربية الرسمية التي مازالت تعيش أيام الهكسوس وغزو المغول، إن علينا أن نصدقها وأن لا نصدق الإعلام المعادي، كقناة الجزيرة والعربية والسي إن إن والبي بي سي، فهؤلاء يهولون ويزيفون ويدبلجون ويفبركون، وإن ما يعرضونه على أنه مظاهرة ضد النظام هو في حقيقته مسيرة تأييد للنظام، ومع النظام، وإنه لا أحد يهاجم المتظاهرين ولا وجود للبلطجية، إلا في خيال الإعلام المعادي، فهؤلاء الذين يطلقون الرصاص هم أفراد من الشعب يطلقون الرصاص تعبيراً عن تأييدهم للنظام... هكذا ببساطة.
يتحدث كثير من الإعلام العربي الرسمي بلغة تجاوزها الزمن وبمنطق لا يمت بصلة لأهل هذا الزمان ولا حتى لعصر أصحاب الكهف، ولقد فعلت قوات التحالف خيراً إذ دكت محطة التلفزيون الليبي الرسمي، لتضع حداً لذلك الكذب الذي كان يطلقه مذيعو تلك القناة بشكل أكثر من مستفز، وإن كان يحزننا أن تتبدد ثروات الوطن العربي هكذا في الهواء، دون أن يستفيد منها أحد، لكنه الطغيان الأعمى لن يقود إلا لما نراه في بعض العواصم للأسف الشديد.
من هنا تأتي الحيرة، فكثيرون يتمنون أن يكون هذا الإعلام صادقاً لأنهم اعتادوا عليه أولاً، ولأن لديهم مواقف عدائية بشكل تلقائي من الإعلام الغربي حتى وإن كان دقيقاً في نقله للأخبار، لأن الكثيرين منا لا يؤمنون بخرافة حيادية الإعلام الغربي أو موضوعية أي إعلام كان، بعيداً عن حزمة المصالح المتشابكة بين السياسة والاقتصاد والإعلام.
كما تأتي الحيرة من هذه التجارب السيئة، فيما يتعلق بمحاولات فرض الديمقراطية من الخارج على البلدان العربية، فهي تبدأ بوعد ديمقراطي معسول وتنتهي باحتلال شديد الوطأة وباهظ التكاليف، وتأتي الحيرة من كل ما يقرأه المواطن العربي من مصادر الغرب نفسه حول نوايا تقسيم الوطن العربي، وإشعال نيران الخلافات فيه بوقود متوافر في داخله، وذلك باللعب على أوتار الطائفية والعرفية والمذهبية والفروقات الطبقية والمطالب الفئوية والثارات القديمة و..... وحدث ولا حرج، فلدينا دمامل سياسية واجتماعية قابلة للانفجار في أية لحظة ولأتفه سبب، فالناس حين تغضب لا تتعقل تصرفاتها.
الناس حائرون، لأنهم لا يريدون أن تنتهي أحلام البسطاء إلى قتلى بالمجان وبلا نهاية، لا يريدون مزيداً من المدن العربية المدمرة، ولا مزيداً من الشباب الراحل في غياب الموت بلا نتيجة، ولا مزيداً من الأمهات المغموسات في حزن الفقد القاتل، الناس حائرون بين إعلام يكذب عليهم ليل نهار، وإعلام يتصنع الموضوعية ليحقق مصالح الكبار ومخططاتهم، فالكل يكذب في نهاية النشرة وفي نهاية السهرة.


ayya-222@hotmail.com