لا يكثر بعض الزعماء من الصلاة إلا أولاً شكراً.. ولا يتذكرونها إلا مؤخراً ناشدين مفراً، وما بين الحالتين تغيب الصلوات وتختلط بدعاء الفساد، والوطن والإنسان هما وقود هذا العذاب، يذهبون ولا تبقى حتى أقوالهم، في حين هناك شاعر قال حقيقته اليتيمة وذهب ليبقى قوله في صدور الناس، ويبقى خيال تذكره حينما تدلهم الخطوب، ويبحث الناس عن هواء نقي يملأ رئتي الوطن، بين سلطة نوفمبر، التي ضيّقت معنى الحياة، ولم تتذكر الشعب، وقول الشابي الذي عشق الوطن وقال وصيته للشعوب: “إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر” غدت معادلة الموت حرقاً، والنجاة هرباً هي التي تغطي جغرافية تونس الخضراء، أحدهما خلّد صيته وذكره وشعره التاريخ، وآخر أعتقد أن التاريخ ما هو إلا شيخ عجوز لا يحفل به الكثيرون، ولا ينصتون لما يسجل في رقيم لا يموت. ليس مثل الشعب التونسي شعب يستحق الحياة ويعرفها، ويعرف طريق العشق بها ولها، ويعرف العلم ويتذوق المعرفة، قد يحرق بحراً لأجلها، وقد يهاجر بحثاً عن حريته الغائبة المغيبة، شعب لا يستحق إلا العافية وإلا الديمقراطية، متسامح إلى حد بعيد إلا لديكتاتورية، متعاطف إلى حد عميق إلا العبث بحياته التي يريدها كما يشتهي وينبغي، فقد كان يمكن للثلاثة والعشرين عاماً أن تسخر للتنمية والتطور والرقي بالتونسي، كان يمكن لها أن تكون استقراراً نحو توثيق ديمقراطية مدفوعة الأجر من دم وعرق الناس الطيبين، كان يمكنها أن تؤلف القلوب، وتدفئ الضلوع من أجل عيش يقبل المكابدة والاجتهاد في مساحة خضراء طالما كانت للشعر والغناء ومديح العمل ومندامة الوطن، بعيداً عن أسوار الحديد، وتطويق الفرح، وأسلاك العزلة، ضحى الشعب حينما كان العذر الاختراقات “الإسلاموية”، صبروا لأعوام حينما كان العذر الخطط الموعودة، والإصلاحات المبشر بها، فلا جاءت الوعود، ولا ظهرت العهود، فالطالب الجامعي كان يشتغل نادلاً في مقهى ليشتري كتاباً، والسائق المثقف، الذي يثرثر مع زبائنه عن أوضاع الوطن العربي، كف عن الحديث غير حديث اللقمة والخبز الحافي، توزعت رؤوس المتنورين والمصلحين والخريجين المشارب وضجر الأيام، والخوف كان يتبع المواطن كظل خلفه، وشبح يسابق خطوه. لم يستمع الخلف لنصيحة السلف، والشيخ المجاهد العجوز وسموه بالخرف، لكنه قال وصيته غير المكتوبة، وأمهلوه حتى يقبروه لينقلوا تمثاله من قاعدته التي خطب فيها مندداً بالاستعمار، وفرحاً بالاستقلال، واستوحش ابن خلدون وحده، نقلوه في شاحنة لم تحترم نضاله إلى مسقط رأسه، ونصبوا مكانه ساعة لم يكن الكثير يتابع رقصات عقاربها مؤشرة للوقت الذي يمضي بعناء، ولا تذكر وصية السلف:” الشعب التونسي ما تجوعوش.. وما تشبعوش.. وامشي معاه قد.. قد، خاطر إذا قام.. ما تنجموش”! ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com