لأننا في حقل الإعلام شغوفون في أوقات كثيرة بالعناوين و”المانشيتات” كثيراً ما نجهد الفكر في البحث عن عنوان متميز، نزين به صفحاتنا، ويكون موحياً إلى أقصى درجة ويختزل كل ما نريد بأقل عدد من الكلمات، وتتبارى الصحف فيما بينها في البحث على عبارات من هذا النوع، لا سيما لصفحاتها الأولى، وأحياناً ما تجود قرائح الصحفيين بمعانٍ متشابهة، والسبب أن ما يؤرقهم واحد، والأدوات التي يملكونها واحدة، وحتى إذا اختلفوا فإنهم يبحثون حول المعاني ذاتها ويسوقونها بعبارات شتى. وقد كان الأخضر السعودي منذ مباراته الافتتاحية في البطولة الآسيوية، وربما قبلها صيداً ثميناً للأقلام، والسبب ليس في أنه فريق قليل الحيلة وإنما لأنه كبير.. هو بطل يبحث من فترة ليست قصيرة عن استعادة عروشه و”غزواته” التي تتفلت منه الواحدة تلو الأخرى، وكان آخرها بطولة الأمم الآسيوية التي سجل فيها انتصارات رائعة وبطولات كثيرة، فإذا به يكون أول المودعين لها، وهو الوداع الذي لم يؤرق السعوديين وحدهم وإنما كل المحبين للكرة الخليجية، والذين كانوا يرون في الأخضر عنواناً مضيئاً للكرة في المنطقة وفي القارة، وله من السمات ما يجعله فاكهة للبطولات ويكفيه جمهوره الرائع، الذي يزحف خلفه من المملكة إلى أي مكان حتى ولو كان عشقه للاعب ما من ناديه المولع به هو من استفزه على الحضور؛ لأنهم في النهاية يتوحدون خلف الأخضر، ويصنعون في المدرجات حالة، يعز علينا أن تغيب عن بقية الأدوار في البطولة. ومنذ أن سقط الأخضر في مباراته الأولى أمام نسور سوريا، والحديث يدور حول الإعلاميين في جلساتهم بالمركز الإعلامي أو حين يلتقون ليلاً في سوق واقف عن كيف أن السوري أكل “الأخضر واليابس”، وعاد “النشامى” وكرر المفاجأة ذاتها وأهدى الأردن انتصاراً بطعم بطولة في حد ذاته، ليعود العنوان ذاته الذي يمثل “صنعة صحفية”، دون الالتفات لكونه واقعاً، فالصنعة ترمي إلى أن الفائز أكل “الأخضر”، ومعه أكل “اليابس”، ولكن الواقع الذي رأيناه، يقول إن الأخضر الذي نعرفه بات هو “اليابس”. ليس مستبعداً أن تخسر ومن غير المعقول أن تفوز دائماً، والكرة تمنحك يوماً وتضن عليك في آخر، ولكن عندما تكون هناك ثوابت في الكرة، لا بد أن يصبح شذوذ القاعدة بسيطاً ومفاجئاً، لا أن يتحول الاستثناء إلى عادة، مثلما يحدث للمنتخب السعودي الذي يعاني منذ فترة طويلة تراجعاً واضحاً للعيان وأولهم السعوديون أنفسهم، وإعلامهم الذي أطلق “صفارات الإنذار” منذ زمن، وحتى وإن كان “الهوى” حرك البعض لتبني مواقف معينة، فالأساس أنه لم يكن هناك سعودي يريد لمنتخب بلاده هذا المصير، ومهما اختلفوا في قضاياهم وطرحهم، يتفقون على حب المنتخب، وكان عجيباً وغريباً أن يتواصل العمل دون التفات لحقيقة أن الأخضر في “النازل” وإنه في طريقه ربما للانزواء والبداية من أول الطريق. وبعد الخسارة الأخيرة من الأردن الشقيق، فجر السعوديون قضايا كثيرة، تحدثوا عن البنية التحتية التي تهالكت، وكيف أن المنتخب قد يتجمع في مكان لا يناسبه، وعن ندرة المواجهة مع مدارس تعود بالنفع على الأخضر، وكيف أن الملايين تدفع للاعب ما لمجرد الترويج أنه في الطريق لنادٍ آخر، وعن تواضع الاهتمام بالفئات السنية، وكيف أن المنظومة تبدو ضبابية في أوقات كثيرة، حتى لا تكاد تعرف من المسؤول، وأعتقد أن هذه التساؤلات هي أول الطريق للاستيقاظ؛ لأننا أحوج من الإخوة السعوديين إلى عودة “الأخضر” وأن يختفي “اليابس”. كلمة أخيرة: “الأخضر” لون الحياة.. لكن الفارق بينه وبين “اليابس” بسيط جداً، فكلاهما ذو غصن.. واحد تعهدناه بالرعاية، والثاني منعنا عنه “الماء”. محمد البادع | mohamed.albade@admedia.ae