إنه لا يشبه أحداً.. سأبدأ معكم بوصفه عندما يغيب، عندما يدير ظهره راحلاً، يسحب معه كل النجوم بل وحتى الأقمار والشموس، يبقى الكوكب على كتفيه ينتظر لفتة منه، عله يأذن بعودة الأنوار؛ في حضوره، يغيب كل الحضور.. ويبقى وحده سيد الزمان القادم من قرون بعيدة سكنها الأمراء والسلاطين.
سيبقون حائرين فيك، يسألون عن صفاتك؛ لا يعلمون أن صفاتك لا طريق لها، فاتساع بحرك وهياج موجه أضاع كل الطرق، ولم يبق سوى قلبك كمنارة ترشد التائه بنورها البعيد؛ أعلم تماماً أن محاولات سفينتي في الوصول إلى مينائها بعيداً عن منارتك ستكون عبثاً؛ فلا جدوى من ذلك، فالحياة بحرك، والعبث موجك، والنهاية... منارتك.
على شاطئك مشيت حافية القدمين، استنشقت رائحة بحرك التي لا يعرفها سواي، دغدغت الرمال الباردة أصابعي، شاكست أمواجك، جعلتها تلاحقني ولا تلحقني، بنيت قصوراً كثيرة من رملك، تركتها شامخة لا ينالها عبث من يعبرونك، تحدثت مع قواقع شاطئك وأخبرتها بأسراري، رميتها بعيداً في عمقك، حمّلت أسراب الطيور المحلقة كل همومي، أخذتها بعيداً وهاجرت، غاصت في قرص الشمس، تاركة شاطئك لي وحدي.
بعيدة عنك أبدو كلاجئة تهيم على وجهها، أبحث عـبثاً عــــن أرض أُؤطر فيها لحظات سعادتي، أو عن ملاذ أداري فيه جراحي، أبحث طويلاً عن مأوى، فتلفظني كل المخيمات؛ كل الأراضي غربة، لا شعب فيها ولا تاريخ، وكل الحدود زائفة، طالما ليست حدودك، لا هوية لي إلا بجوارك، ففي أرضك انتمائي، وفي سمائك هويتي.
????حسناً... ما زالوا يسألون عنك وقد هممت بالرحيل، وحملت حقائبك الجلدية الموشاة بقشعريرة حضورك اللذيذ، واختفيت تماماً في ساعات النهار، لتظهر ليلاً محاولاً تخفيف غيابك المقبل عني، وهم مازالوا يسألون عنك؛ أخبرتهم كم أنت رائع، ولكني لم أخبرهم، أن أسوأ ما فيك أنك تغادر سريعاً، تاركاً خلفك زهوراً ستعتاش قصيراً على دموع غيابك، سأفتقدك طويلاً يا سيد الفصول.?
أيها العاشق الساحر، لا أجيد مثلك ابتكار الألعاب المختلفة، ولذا فلي الحق بانبهاري طوال الوقت بكل ما تفعل، وكأنك تخرج الحمام والعصافير من جيبك الصغير، لتنطلق بعيداً مزقزقة بفرحة، كما لن أفاجأ بسردك الطويل المبهر الذي لا ينتهي كخيط طويل ملون وبلا نهاية؛ ما زلت تبهرني وتنجح في جعلي أحلق عالياً بكلماتك، ولكنك رغم كل فرحي بك، لا تزال عاجزاً تماماً عن إقناعي بأن ما تقوم به ليس إلا مجرد سحر، وأنك بكل أفعالك سراب لا يعرفه إلا خيالي، ولكنهم ورغم كل ذلك، سيستمرون في السؤال عنك.

السعد المنهالي Als.almenhaly@admedia.ae