جلست أتأمل صفاء مياه بحر أبوظبي، وتمازج ألوانها الخضراء الفيروزية والزرقاء اللازوردية، إنها الطبيعة الخلابة التي وهبها الله لهذا المكان، وعندما أدرت عيني في هذا المطعم الشرقي الذي اتخذ من هذا المكان الرائع المطل على البحر موقعاً استراتيجياً له، لاحظت أن هناك رجالاً ونساء بيد كل واحد منهم خرطوم طويل كخرطوم الفيل، بل وكان هناك فتيات في عمر الزهور يتنفسن عبر خرطوم طويل. إنهم معشر «المشيشين والمشيشات»، كيف وصلت بهم الحال إلى هنا، إلى هذا المكان الذي تشعر أن يد الإنسان لم تقترب منه إلا لبناء هذا المطعم، كيف يطاق أن ترى تشويه بهذه الصورة وإفساد للبيئة والهواء بهذا الدخان السام الذي يعتبر كما هو معروف أكثر ضرراً من السجائر العادية بمئات المرات. تركت زرقة الماء وفيروزها وغرقت في أسئلة عميقة، ترى ما الذي يجعل تلك الفتيات يتجرعن هذا السم ويحرقن قلوبهن مبكراً بنار الشيشة بدل إحراقهن بنار الحب؟ هل هو المنزل وما يمارسه الأبوان؟ أم أنها فورة سن الشباب وتمرده وحماقاته التي دفعتهن للتجربة الأولى؟ تمعنت أكثر في الصورة التي أراها فرأيت أن كثيراً منهن من المواطنات وشعرت بالحزن؛ لأن ذلك أمر غريب على مجتمعنا المحافظ أصلاً، هل وصل بنا الانفتاح إلى هذه الدرجة، ليتحول من مجتمع ينتقد إلى درجة التحريم تدخين الشباب إلى مجتمع منفتح يعتبر تدخين الفتيات علناً وأمام الناس وفي الهواء الطلق أمراً طبيعياً؛ لأنه يندرج تحت بند الحريات العامة والشخصية. انشغلت كثيراً بالمسرحية الهزلية التي تدور أمامي والتي تدفع المشاهد من أمثالي إلى تجرع الألم بسبب ما قد تتحول إليه الفتيات في غياب وغفلة الوالدين أو أولياء الأمور، لعنة الله على الشيطان، لقد شغلتني هذه القصة عن الاستمتاع بالمكان وبالأجواء الباردة المنعشة التي تنذر بهطول المطر قريباً، ووقعت عيناي على النادل وهو يحمل إحدى تلك الأراجيل ويذهب بها نحو مواقف السيارات فتبعه فضولي عيني لأرى ماذا سيفعل أيضاً وهو يوزع السموم والتلوث البيئي يميناً وشمالاً، إلى أن توقف أمام سيارة من ذات الدفع الرباعي أرخيت نافذة سائقها فوضع الشيشة على الأرض ورفع الخرطوم فتناولته يد نسائية بشغف لتسحب أنفاسها بعنف حتى تنقطع أنفاسها. لطالما كرهت التدخين، فلا أطيق السجائر ولا أطيق رائحتها، وبفضل من الله فقد تم منعها في كثير من المكاتب فمن ابتلي بحرق قلبه أو رئتيه فهو حر لكنه ليس حراً في إيذاء الآخرين، ترى هل سيأتي يوم تمنع فيه الشيشة من الأماكن العامة كما منعت من شوارع ومقاهي لندن! أمل المهيري | amal.almehairi@admedia.ae