عندما يترجل الفرسان يكون لوقع الرحيل هدير الموجة ساعة الغروب، ويكون للغياب استفاقة الطير عند شروق اللوعة.
يوسف العمران رجل من ذاك الزمان في هذا الأوان يتأبط حلمه الإعلامي والوطني ويغيب تاركاً في طي السجل ملحمة الرجال الأفذاذ الذين لامسوا شغاف الكلمة حتى ارتوت شجرة الحلم، وطوقوا بالجهد نحر الوطن قلائد ستبقى العلامة البارزة في تاريخ الوطن والفاصلة التي جاءت من بعدها طاقات وقدرات، تماهت مع الذين أسسوا والذين كرسوا إمكاناتهم لأجل وضع البذرة الأولى بذرة الإعلام.. وكانت مجلة “الأيام” التي بناها ورعاها الفقيد بيد حانية وقلب دافئ إيماناً منه بأن للإعلام سحره وللصفحات المزخرفة بالحروف وهجها وللكلمة أسطورتها الخالدة التي تبقى على مر السنين حتى وإن غاب أصحابها.
يوسف العمران الرجل الذي نحت في الصخر وزخرف الهواء بأنفاس الناس النجباء وأثث مشاعره بأجمل الطيبات من عذب الكلام، فكان رمزاً من رموز هذه القافلة النجيبة من أبناء الوطن الذين عاصروا الاتحاد في بداية نشوئه وحتى ارتقائه، كان واحداً من أولئك الفرسان الذين شاركوا في تلوين الكلمة عبر الإعلام كمدير عام لمجلة “الأيام” وتحت قبة المجلس الوطني كعضو من الأعضاء الأول الذين ساهموا بجد في صناعة الواقع وتشكيل تفاصيله وترسيخ مفاصله.
يوسف العمران قبل الشرقة وقبل الشهقة كان يفكر فيما يجيش بخاطر الجيل الجديد، وهو يعلم أن هذا الجيل مطالب أكثر من سابقيه بالالتزام بالكلمة وتحمل المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه، لأن الوطن بحاجة إلى تكاتف أبنائه وتعانقهم مع حقوق هذا الوطن عليهم، كما أن عليهم واجبات يجب أن يكونوا أهلاً لها.. وهو يذهب الآن بعيداً لابد أن من عاصروه يتذكرون الكثير من سجايا هذا الرجل وأولها تواضعه الرفيع ورفقته المتواضعة وهو يحدث جلاّسه بالكلمة الطيبة والصوت المتحدر من أعالي أغصان التاريخ العريق.
يوسف العمران سوف تتذكره الأجيال القادمة ليكون اسماً في صلب التاريخ الإماراتي وتكون الأيام، المجلة، مرجعاً لمن يريد أن يتهجى التفاصيل في التاريخ ولمن يريد أن يقرأ عن ملامح الذين نسجوا من خيوط الحرير أجنحة الفراشات على أغصان الشجر، ومن رسموا صورة الزاهي اليافع على أوراق الزهر، ومن سكبوا الماء الفرات لأجل أحلام كل البشر ومن حدقوا بعيداً وعميقاً، منشدين: كلنا فداك يا وطن.
يوسف العمران قلب الصفحة وأغمض عينيه ولكن ما يفتح عيوننا هو تلك النبضات التي نزفت حبراً، وتلك الخفقات التي غرفت صبراً وتلك النظرات التي لونت أذهاننا بالتفاؤل وقطع الطريق من الفكرة إلى الفكرة بفرح العاشقين لأرض أثمرت فأينعت فأعطت، حتى انتشى الكون من سخائها وقدرتها على البذل دون توانٍ أو تهاون.


marafea@emi.ae