موضوع ليس بجديد ولكنه غريبا، فعلى الرغم من الحملات التي أقامتها الجهات المعنية للقضاء على التسول بأشكاله، إلا أننا مازلنا نتعرض لتلك الأكاذيب والقصص الواهية لنيل المال بصورة غير مشروعة. وبكذبة صغيرة قد تجعلهم يجمعون من المال الكثير. فالبعض منهم مكشوف وتصبح قصته معروفة، بين معظم فئات المجتمع الذين تعرضوا لابتزاز الإنسانية والطيبة، والآخرون سمعوا عن تلك القصص عن طريق من تعرضوا لتلك الفئة المحترفة من المتسولين. ومنذ 3 سنوات تعرضت لي سيدة عربية في أحد المولات، وسردت علي قصة غريبة، ويتضح عليها إنها غير متسولة ومظهرها يختلف عن مظهر “الشحادين” ولكن الظرف الذي وقعت فيه، دفعها للتسول، ومد يدها للناس لطلب المساعدة منهم، أي أن مبدأ تسّولها ينطبق عليه مقولة “ارحموا عزيز قومٍ ذل”، والقصة التي قالتها إنها قدمت مع زوجها من إحدى الدول المجاورة رغبة في زيارة أحد الأطباء للكشف على ابنتها وتشخيصها من مرض “الصرع” الذي أرهق جسدها النحيل، ويتخلل القصة بعض الأسماء الوهمية مثل اسم الطبيب، وبعض أسماء الأشخاص الآخرين ليكونوا أبطالا في تلك المسرحية، وأن سيارة زوجها تعطلت، وكل ما تطلبه مبلغا يساعدها لتوصيل ابنتها في أسرع وقت ممكن لذلك الطبيب لأن كل ما في القصة يتطلب عنصر السرعة حتى لا تتدهور صحة بطلة تلك القصة الدرامية. طبعا يتخلل ذلك بعض عبارات الشكر والثناء عليك، وعن سمعة أهالي البلد الطيبين، ومواقفهم الإنسانية التي طالت القريب والبعيد. كل أحداث تلك القصة إذا تعرضت لها للوهلة الأولى تجعلك لا تتردد وتدخل يدك في جيبك وتخرج ما تبقى لك فيه، وتعطيها للمتسولة دون أن تتراجع، لأن القصة حبكت بشكل جيد، وتم تمثيلها بشكل ممتاز، وبطريقة حرفية لا تخطر ببال أحد أنها غير واقعية ومجرد نصبة صغيرة والسلام. إلا أنه في حال أنك تعرضت إلى نفس المسرحية السابقة ونفس الممثلين فيها دون تغير لأي من تفاصيلها، فإنك وقتها ستدرك أنها مسرحية فاشلة، وأنك في المرة الأولى كنت ساذجا، لأنك دفعت كل ما وجدته في جيبك. وهذا ما صار لي فبعد مرور سنتين من العرض الأول للمسرحية، تعرضت لنفس المتسولة وسردت القصة ذاتها، دون أن تكلف نفسها تغير السيناريو أو بعض عناصر القصة حتى لا تنكشف كذبتها، واكتفت النصابة بتغير مكان تنفيذها للمسرحية التي تطلب فيها المساعدة. تستغل تلك الفئة من المتسولين إنسانية الكثير من الناس الذين يتأثرون بسماع تلك القصص الغريبة، والتي تجعلهم يدفعون ولا يترددون، وتدرك فئة المتسولين أن أهالي هذا البلد الطيب سخروا أنفسهم لمساعدة غيرهم من المحتاجين والمعوزين. حينما أدركت أن تلك القصة غير صحيحة لأنني سمعتها من نفس تلك السيدة، جعلتني أعرض عليها مساعدتي من جوانب أخرى؛ تساعدها للتخلص من مشكلتها، إلا أنها رفضت وبشكل قاطع لانها وباختصار قصتها غير صحيحة. ينبغي على الجهات المعنية العمل للحد من تلك الظواهر التي تترك آثاراً سلبية على مظهر مجتمعنا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا لا يتم تخصيص خط ساخن لاستقبال الحالات التي فعلا تستحق المساعدة؟ وخط ساخن آخر لتبليغ عن المتسولين؟ الذين يسيئون لأنفسهم ويبتزون غيرهم.