هل طال أمد الثورات في ليبيا واليمن وسوريا و...؟ وهل انتهت ثورة في التاريخ في بضعة أشهر؟ مع الأخذ في عين الاعتبار كل منافع ثورة التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات، لكن الثورة ليست خبراً سيطير في ثوان عبر أثير العالم ولا صورة ستتناقلها تقنيات الاتصال كلمح البصر، الثورة شيء ما بين طعم الرصاصة في اللحم ورائحة الورد على ثغر طفل أو صبية حلوة، الثورة شعوب تقف نصفها على ضفة الهاوية ونصفها على حد اشتهاء الحرية .. شعوب في حالة حب أو وضعية حرب ..لا فرق.
لسنا فرنسا الثورة وحرائق باريس واشتعال قصور النبلاء واحتلال الباستيل في عام 1789 ، لن نكرر أن فرنسا استغرقت ثلاثين عاماً كي تعبر نفق الليل إلى صبح الحق والعدالة والمساواة، لن نحتاج ثلاثين عاماً أو حتى خمسة عشر، ربما احتجنا زمناً أقل بكثير، وربما طال التيه كثيراً، وساعتها سنطبق على مدن الثورة قول المصريين: “لا طلنا بلح الشام ولا عنب اليمن”، والمثل بالثورات قريب والمقاربة خطيرة حتى على الكاتب المحايد.
العرب اليوم يحتاجون للكثير، ليعبروا سنوات التغيير الحاسمة والحقيقية التي أزاح الستار عن ملامحها ذلك الشاب بائع الخضراوات في شوارع تونس محمد البوعزيزي، هم بحاجة لمشروع واضح لم نر حتى اليوم جملة واحدة منه، لا في مصر ولا في تونس، وهم بحاجة إلى قيادات وطنية منتمية لمشاريع حقيقية وفق منطق المصالح والمنافع، بعيداً عن تلك الكاريزميات التي تفشت في تاريخ العرب وضيعت عليهم سنوات من عمر التحضر والتنمية.
العرب بحاجة لاقتصاديين حكماء أكثر من حاجتهم لاقتصاديين انتهازيين، وهم بحاجة إلى سياسيين من شاكلة مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، الذي نقل شعبه من غياهب الغابات والتخلف إلى رحابة دولة تعيش بمنطق التنافسية الدولية، وبيد أبنائها.
العرب بحاجة ليتخلصوا من عاطفتهم الزائدة “حبتين” مع مؤسسة الحكم، فهذه المؤسسة التي تقتل الغد، وتصادر الكرامة، وتتاجر بالرغيف، وتشتري أسلحة أكثر مما تبني بيوتاً للشباب، وتنشر الدبابات في الشوارع أكثر مما تنشر الحدائق، وتوفر أدوات إبادة للبلطجية أكثر مما توفر وظائف ومدارس ومشافي، هذه حكومات لا يجوز شرعاً ولا عقلاً أن يهتف لها أحد خلف مواكب رموزها بالروح والدم نفديك يا ....
يحتاج العرب وهم يدفعون تكلفة باهظة في مصراتة وبنغازي ودرعا والقامشلي والقاهرة وبغداد وتعز وصنعاء و... أن يقفوا ليتساءلوا ماذا يريدون بعد الثورة وبعد المبيت في الشوارع، وبعد قوافل الشباب الذين خلفوا الحسرة في قلوب الأمهات ورحلوا، بينما بقي من يجب أن يرحل صامداً واقفاً بعزة الإثم، فهل تعرف كل هذه الجموع التي تفور بها الأرض العربية ماذا تريد؟
المؤكد أنهم يعرفون تماماً ما لا يريدون، لكنهم لا يعرفون ماذا بعد؟ على الأقل في كثير من المدن إن لم يكن في كلها، وهذا مكمن الداء، نحن لا نجلد ذاتنا ولا نكسر مجاديفنا باكراً، ولا علينا أن نحرق السفن كما فعل طارق قبالة شواطئ إسبانيا ذات يوم، لكن ألم يحن الوقت بعد كل هذا الزمن أن نعرف كيف ندير أزماتنا ونخطط جماعياً للغد؟؟


ayya-222@hotmail.com