من يطالع أخبار الانتقالات في دورينا، سيتصور للحظة أن ميسي ورونالدو ورفاقهما يلعبان هنا، فالعروض تنهال على اللاعبين من كل صوب وحدب، وتصل أحياناً إلى ثمانية وعشرة عروض، بينما اللاعب وحسب تأكيده، يجلس مسترخياً، ويطلب الفرصة لدراسة هذه العروض قبل أن يبت فيها، ويقول كلمته، وعلى الأندية وعلينا أن ننتظر قرار «الباب العالي» لنعرف وجهة هذا اللاعب أو ذاك، وفي الحقيقة، هو متأكد ونحن نعلم أن تلك التصريحات، لا ترقى حتى لكونها تجميلاً للصورة، وإنما هي كذب صريح، يستهدف اللاعب من ورائه الترويج لنفسه والخروج بأكبر قدر من المكاسب. السؤال الطبيعي الذي يتبادر إلى الذهن الآن: ولكن ما دور الإعلام في ذلك، وأليس مسؤولاً عن الترويج لهذا الكذب؟، ولكن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج منا أن نلم بعدد من الأمور قبل أن نصدر حكماً كاملاً، إذ أن الإعلام وبحكم أنه على الحياد، لا يفترض الكذب في اللاعب أو المدرب أو الإداري أو أي ممن يتعاطى معهم، والمفروض بداية أن الجميع لدينا صادقون ويتحملون مسؤولية كلامهم، والشيء الثاني، أنه في غمرة الأكاذيب التي نطالعها كل يوم، هناك أيضاً لاعبون صادقون، لا يروجون لأنفسهم بهذه الطريقة الفجة وغير المقبولة، أضف إلى ذلك، أنه ليس بإمكان الصحفي أن يتصل بكل الأندية التي تحدث عنها اللاعب، كما أن اللاعب نفسه في بعض الأحيان يحيط حديثه «المفبرك» بسرية مصطنعة وكأن الأمر حقيقي، بينما هو مجرد أشباه أحلام. ولا يلجأ لهذا النوع من الترويج، سوى أنصاف اللاعبين، الذين يدركون أن أيامهم معدودة بالملاعب وأنهم بحاجة إلى «مقبلات» إضافية لطرح أسمائهم على الساحة، بعد أن فشلوا في طرحها عملياً من خلال ما قدموه مع الأندية التي لعبوا لها، ويبقى الملعب هو الفيصل الوحيد الذي بإمكان اللاعب أن يجعل الأندية تتكالب عليه، وتتسع دائرة العروض أمامه. الغريب أن أياً من اللاعبين الكبار حول العالم، لم يزعم يوماً أن أمامه هذا العدد الكبير من العروض، فلا سمعنا مثلاً عن ميسي وهو حلم أي ناد أن ثمانية أو عشرة أندية تطلبه، ولا عن أي من اللاعبين في الأندية الكبرى، كما أن هؤلاء النجوم لديهم ميزة هامة، وهي أنهم ومثلما هم بارعون في اللعب، هم أيضاً بارعون في الحديث، وصادقون في كلامهم، وتصريحاتهم دائماً بحساب، وليست مجرد «كلام في كلام». على الكثير من لاعبينا أن يتوقفوا عن الكذب في هذه الفترة، فقد اعتدنا بنهاية كل موسم ومع رواج سوق الانتقالات أن نرى هذا الزحف وهذا السيل من التصريحات غير الحقيقية، وعليهم أن يعلموا أن ما يتحدثون عنه، وإن وجد طريقه أحياناً إلى النشر بحكم مهمتنا وموضوعيتنا وحيادنا، لن يجد صداه لدى القارئ، الذي يعلم من يستحق العروض ومن لا يستحقها، كما أن عليهم أن يعلموا أن ذاكرة الشارع الرياضي ليست ضعيفة، وأن الجمهور يختزل في ذاكرته ما يقرأه وما يسمعه، وحين يسقط اللاعب من حسابات جمهوره سيكون من الصعب عليه أن يعود. كلمة أخيرة الصدق أول طريق النجومية، والكذب أول علامات السقوط. mohamed.albade@admedia.ae