تتجه دولة الإمارات، لأن تكون قطباً سياحياً مهماً على مستوى المنطقة والعالم خلال السنوات المقبلة، فالقطاع السياحي يمر حاليا بما يمكن تسميته بـ “المرحلة الانتقالية” بين حقبة لم تشهد تركيزا قويا على تنميته خلال العقود الماضية، باستثناء العقد الأخير، وبين مرحلة أخرى تشهد تركيزا كبيرا على تنمية هذا القطاع واستغلال مقوماته، من خلال مشاريع، نفذ جزء منها، ويجري تنفيذ جزء آخر، باستثمارات تقدر بعشرات المليارات من الدراهم. لعل الكثير من المراقبين المعنيين بالسياحة، لم يكونوا يتصورون أن ينتقل هذا القطاع من مجرد مجموعة من الفنادق والمنشآت المنتشرة في مناطق متفرقة بالدولة، إلى رافد مهم في الاقتصاد الوطني، يوفر اليوم أكثر من 150 ألف وظيفة، ويستقطب استثمارات بلغت خلال العام الماضي فقط أكثر من 44 مليار درهم رغم ظروف الأزمة المالية العالمية، ويتوقع أن يستمر في التوسع والنمو في ظل إنجاز المشاريع السياحية الاستراتيجية. لعل البداية الحقيقية للنشاط السياحي كانت في إمارة دبي، التي انطلقت منها المهرجانات والفعاليات والأنشطة الجاذبة للسياح منذ تسعينيات القرن الماضي، وها هي تحقق اليوم قفزات مهمة في خطط التنويع الاقتصادي وجذب الاستثمارات، ولا يكاد أي طريق أو مرفق بالإمارة، يخلو من معلم سياحي مميز، يشهد طلبا قويا طوال أشهر العام. أبوظبي اتجهت بقوة نحو هذا القطاع وتعزيز دوره، خصوصا أن خطط الإمارة ترتكز على التنويع الاقتصادي وتنشيط القطاعات غير النفطية، وهي تشهد اليوم تطوير مجموعة من المشاريع العملاقة وتطوير جزر سياحية بالكامل، لتكون رافدا مهما للسياحة في دولة الإمارات خلال السنوات القادمة. أما الإمارات الأخرى فهي تبحث أيضا عن موضعها على خارطة السياحة بالدولة، وها هي تسابق الزمن لتحجز لها مقاعد على طريق التميز والابتكار، مستغلة العوامل الطبيعية التي تتمتع بها كل منها، لتبتكر أنماطا جديدة من السياحة قد لا تكون موجودة في الإمارات الأخرى. السياحة تشكل حاليا نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا ما استثنينا مساهمة القطاع النفطي في اقتصاد الدولة ترتفع حصة السياحة إلى أكثر من 12%، وهي حصة جيدة لكنها ستواصل الارتفاع خلال السنوات القادمة، لتصبح السياحة أحد أهم القطاعات الاقتصادية، وأحد أهم الجهات الموفرة لفرص العمل. يبقى الأهم من كل ذلك هو استغلال هذا النمو والنجاح، لتوجيه الطاقات الوطنية البشرية للحصول على فرص عمل ووظائف ضمن القطاع السياحي، وهو ما تعمل عليه الجهات المعنية بالدولة، لكن الأمر بحاجة إلى تسريع الخطى في هذا الجانب بما يواكب النمو السريع في الاستثمار السياحي. قد يستغرب البعض من تحول بلد صحراوي لا يمتلك مقومات سياحية كالتي تمتلكها الكثير من البلدان الأخرى، من التطورات التي يشهدها قطاع السياحة، ولكن دولة الإمارات عرفت أسرارا لم يعرفها آخرون لتشكيل هذا القطاع ودعمه وتطويره رغم كل الظروف، وعرفت كيف تروّج لنفسها في المحافل الدولية. كذلك نجحت الدولة في تنويع المنتج السياحي ليتحول التنافس بين الإمارات السبع، إلى تكامل حقيقي يحظى بطلب من السائح الأجنبي، وعلى العالم اليوم الانتظار سنوات قليلة ليشهد اكتمال المقومات والمشاريع السياحية، والتي ستقفز بالقطاع خطوات طويلة نحو المستقبل. hussain.alhamadi@admedia.ae