ثقافة التطوع والتبرع من الصفات الحميدة، التي يجب أن نغرسها في نفوس أطفالنا وفلذات أكبادنا منذ الصغر، لما لهذه الخصلة الحميدة من نتائج وإفرازات إيجابية في المستقبل وأثر إيجابي في نفوس الأطفال، وما يجب أن يتربوا عليه وينشأوا عليه منذ نعومة أظفارهم، ولا تقل ثقافة التبرع ومساعدة الآخرين أهمية وقيمة عن بقية القيم الأخلاقية الحميدة التي يفترض أن تزرعها المدارس عند الأطفال والطلبة، بل من الأهمية أن تدخل في المناهج والمقررات، لتترسخ هذه الخصلة الحميدة في الأطفال منذ النشأة الأولى، وليتربوا عليها وتكبر معهم.
ونتفق على أن بعض المؤسسات التعليمية تقوم بهذا الدور على أكمل وجه، لكن في نطاق ضيق ومحدود جداً لا يخرج عن حدود أسوار المدرسة، كأن تجمع الأموال المدرسة لإعادة ترميم مسجد المدرسة، أو مساعدة موظف، أو تأمين احتياجات نشاط، أو لمساعدة طالب متعسر في تأمين احتياجات الدراسة وتكاليفها، وغير ذلك من الأنشطة، لكن تبرع الطلبة محدود، أو محدود جداً في خدمة المجتمع، وهنا لا أدعو إلى إضافة أعباء مادية إضافية على الطالب وأسرته المثقلة أساساً بتكاليف ومطالب المدرسة المادية، وتجاوزاتها للعديد من قرارات الوزارة، إنما أعني تفعيل مبدأ التطوع لمن استطاع إليه سبيلاً، ولمن يرغب من الطلبة في المساعدة والمساهمة في خدمة المجتمع، سواء مادياً أو بالمساهمة بجهود الطلبة الذاتية، كتنظيف الشواطئ، أو المشاركة بحملة تثقيفية أو غيرها من الأنشطة المجتمعية التي يمكن أن يسهم بها الطلبة، بجهودهم.
ولعل من هذه النماذج الرائعة المشروع الذي أطلقته الأمانة العامة للأوقاف بالتعاون مع منطقة الشارقة التعليمية أكتوبر الماضي بجمع تبرعات من الطلبة والطالبات لبناء أول مسجد بالدولة من تبرعات من الطلاب، وقد نجحت الأمانة في جمع مليوني درهم من أصل القيمة الكلية للمسجد والتي تصل إلى مليونين و700 ألف درهم، وشهد وزير التربية والتعليم الأسبوع الماضي وضع حجر الأساس للمسجد، الذي سيقام بمنطقة الرحمانية في الشارقة.
إن تمكين الطلبة ودمجهم في عملية التنمية المجتمعية عن طريق غرس قيم الخير والتكافل الاجتماعي في نفوسهم، كما قال وزير التربية، هو مسؤولية المؤسسات التعليمية التي يجب أن تعطي هذا الجانب حيزاً من مقرراتها وأنشطتها، خاصة بعد نجاح الشراكة النموذجية بين الأمانة العامة للأوقاف بالشارقة، ومنطقة الشارقة التعليمية، والتي رسخت مفاهيم وترجمت الفكر النيّر ومساهمة الطالب في خدمة المجتمع، وغرس وتعزيز السلوكيات الحميدة بين الطلبة، وذلك من خلال تدريبهم وتعليمهم على فعل الخير، وتعريفهم بالعادات والتقاليد الإماراتية التي تسهم دائماً بالتعاون بين كافة أفراد المجتمع.
إن هذا المسجد والذي يتسع لـ 500 مصل سيكون مدعاة للفخر بهذا الجيل من الطلبة الذي عكس أصالته وحبه للخير والمساهمة في دعم مجتمعه، كما يجب أن يكون حافزاً ودافعاً للمؤسسات التعليمية ولبقية الطلبة للسير على نهج زملائهم.

m.eisa@alittihad.ae