قد يكون حديثي عزفاً منفرداً، فلا أدري من هو المسؤول عن هذا العزوف غير الطبيعي عن الثقافة، فهل من الطبيعي أن تقام أمسية شعرية في العاصمة وفي وسطها، وفي قاعة لا ينقصها من الرفاهيات والكماليات شيء، وفي توقيت أظنه مناسباً للجميع، وبعد قيلولة الظهر، وفي أجواء جميلة لا تنافسها فيها المراكز التجارية «المولات» إلا بالمطاعم، ولا يتجاوز عدد الحاضرين العشرين أو الثلاثين شخصاً؟! هل هناك إحباط لدى الجمهور، أم أننا تعيش خواءً ثقافياً حقيقياً، وما معنى كل ما تقدمه الدولة ومؤسساتها من دعم هائل للثقافة من منشآت وغيرها، هل يكون كل ذلك هباء منثوراً؟ كلما حضرت أمسية ثقافية انتابتني حالة من اليأس الممزوج بالإحباط والدهشة، ودارت في خلدي تساؤلات لا تنتهي عن أسباب العزوف إن صحت التسمية، وربما لم يكن ذلك عزوفاً، فقد يكون هناك خلل ما غير مرئيّ بالنسبة لي على الأقل. حضرت أمسية شعرية دعا إليها اتحاد كتاب الإمارات في المسرح الوطني في أبوظبي الأسبوع الماضي، وكانت راقية بكل المقاييس، فالشاعر أمتع الحضور قاطفاً من الفصيح زهرة، ومن النبطي زهرة، ومضت ساعة ونصف الساعة من تذوّق شهد الشعر، مدة الأمسية كلحظات.. أما الجمهور المتواضع بعدده، الكبير في قيمته وشخصيته، فكان رائعاً في تذوّقه، وكانوا جميعاً بحق نجوماً في إنصاتهم وتجاوبهم وتفاعلهم، على الرغم من أن بعضهم لا يقطن في أبوظبي، وتجشموا عناء السفر من عجمان والشارقة، بل من الفجيرة، ليحضروا الأمسية وخرجوا جميعاً، وفق ما لاحظته، غير نادمين على تكبّدهم العناء. وهنا تطرح بعض الأسئلة نفسها، لماذا تغصّ مدرجات المسارح بالحضور للمغنين والمغنيات، المطربين والمطربات، وغير المطربين والمطربات، على الرغم من أنه يدفع الحضور ثمن تذاكر دخول، وتخلو تلك المسارح أو القاعات من الرواد عندما تكون الأمسية للأدباء والأديبات والشعراء والشاعرات وهي مجاناً؟ ونحن نعيش هذا الدعم غير المحدود للشعر مثل «شاعر المليون»، و»أمير الشعراء»، ما تفسير هذا العزوف عن شعراء الأمسيات؟ هل هو نقص في الدعاية والتسويق من الجهة المنظمة؟ عند انتهاء الأمسية اتصلت بصديق معلم للغة العربية من ذواقة الشعر، وقابلته محدثاً إياه عن ليلة جميلة نادرة عشتها سابحاً في بحور الشعر، أحسست إثرها بأنني بحاجة أن أنقل فرحتي بها للناس، فاتصلت به، فبادرني بالعتاب؛ لأنني لم أدعه لتلك الأمسية، فقد كان يتمنى أن يحضر أمسية شعرية أو أدبية، فقد ملّ سياحة المراكز التجارية «المولات» التي لا تفيد إلا في تفريغ الجيوب وتنغيص القلوب. وطرح صديقي المعلم مجموعة من التساؤلات، من أين أعلم أن هناك أمسية، فقليلاً ما نقرأ الصحف والنشرات، لماذا لا تعمم مواعيد على المدارس، ولماذا لا يدعى إلى الأمسيات مدرسو اللغة العربية بوجه خاص، والطلاب كنشاط لا صفي ينمي الذائقة الأدبية والشعرية لديهم؟ وأضيف إلى تساؤلاته تساؤلاً، وهو: لماذا لا تدعى الجامعات، بهيئتها التدريسية، وطلابها من ذوي اختصاص الآداب؟ لماذا لا يكون هناك خط ساخن بين اتحاد الكتاب، ووزارة الثقافة، ووزارة التربية والتعليم «المدارس»، ووزارة التعليم العالي «الجامعات» للنشاطات والفعاليات الثقافية، لكل منها، لتعميم الثقافة على الجميع، وتوحيد الجهود.فمن المجحف بحق أدبائنا وشعرائنا أن يحاوروا أنفسهم، ومن حق الجمهور مواكبته وإطلاعه على الحركة الثقافية، وعندما يعزف الجمهور ساعتها يكون لكل حادث حديث. Esmaiel.Hasan@admedia.ae