أنا على يقين من أن الحروب التي تدور رحاها بين شعوب العالم بطوائفهم وأعراقهم وألوانهم وبين الشعوب في داخل الدولة الواحدة هي ليست حروباً دينية بالطبع لأنه لا دين في العالم وعلى مدى التاريخ حث أو دعا إلى محاربة الأديان الأخرى، إنما الناس أنفسهم ومن يقف من ورائهم من المنتفعين والمستفيدين الذين يستثمرون الدين لتغذية نوازع وعصبيات في داخلهم، وإذا كان الإنسان أنانياً بطبعه فإن الفطرة جاءت قبل الدين، وما الدين إلا وسيلة لغسل أوراق النفس وتنقيتها من شوائب الذاتية الفجة، والعصبية البغيضة، أما عن ديننا فدعا إلى التعارف والتقارب من أجل مزج الألوان في لون ودمج الأعراق في عرق “وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.. ثم يقول تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى” هذه الدعوة الشفافة والتوغل في القيم ذات القيمة العالية والانسجاب دوماً باتجاه معرفة الآخر والتواصل معه والأخذ منه وبيده نحو غايات تنفع الإنسانية وترفع من شأنها، نحفظ نوعها ونثري حياتها بالإنتاج الذي هو أصل السعادة.. رفاهية النفس البشرية تبدأ بالخروج من شرنقة إلى واحة العالم الخارجي والتداخل معه لتشكيل لوحة زيتية رائعة ناصعة بالألوان البراقة والمشرقة بالبهاء والرخاء.
ما يحدث في العالم هو بفعل قوى شريرة تدفع بالبشرية نحو الهاوية مستخدمة معول الدين كأداة لتهشيم الروح وتحطيم بنى الحياة، وتغذية عصبيات ذات بعد أناني.. منذ فجر التاريخ وهذه القوى البشرية تمارس فعل البغضاء والشحن من أجل طحن الإنسانية تحت رحى مشاعر تتغذى على أورام الذات وتتورم على حساب المجموع.. حروب أوروبا الداخلية بين كاثوليك وبروتستانت وحروب المقاطعات والولايات في أميركا وأوروبا وحروب المسلمين ضد المسيحيين وحروب المسلمين والمسلمين لم تكن من أجل موقف يشد من أزر الحياة أو يقيم مشروعاً حضارياً راقياً، بل كانت مشاريع ضيقة وخاسرة تدعمها قوى لا تجد نفسها إلا في خضم الصراعات ولا تؤكد ذاتها ألا عبر الحروب.
والحديث اليوم عن إمكانية التوافق بين الأديان لن يتأتى بفعل قرار أو اجتماع ينتهي بعد التصفيق إلى زبد يذهب جفاء.. التوافق يحتاج إلى رؤية وإلى صناع قرار تسلحوا بالتفاني والتضحيات الكبرى ويحتاج التوافق إلى قدرات فائقة آثار عدوان بشري استمر لقرون مضت ولم يزل تطفح بالزبد والعوادم ويحتاج أيضاً إلى تسامٍ وإنكار ذات وتحرر من الأنا الطاغية والاندماج في المجموع في محيط يؤلف الإنسانية في كتاب مسطور بالمحبة والألفة واعتناق فكرة الآخر هو أنا وأنا هو الآخر.. يجب ألا نظلم الأديان بل نستفيد من سياقاتها الإنسانية السامية والراقية والمتحضرة التي جاءت من أجل إسعاد البشرية وتخليصها من ربقة التخبط والعشوائية والغوغائية.

marafea@emi.ae