عجبت لأمر الإنسان الذي يكرس حياته لإرضاء الناس ومن حوله، بل يؤهل ظروفه واتجاهاته لتتلاءم مع أفكارهم ومعتقداتهم، فلا يرسم خط حياته بجمالياتها التي يقنع بها والتي يرتاح لها نفسياً وعقلياً، وكل هذا رغبة ورهبة من أن لا يتوافق مع رأي الناس، وخوفاً أن ينتقدوه ويذموه، ضارباً عرض الحائط بالمثل القائل “رضا الناس غاية لا تدرك”.. وللأسف يعيش الكثيرون منا حياة وظروفاً لا يتناسبان معه، ويضغط على نفسه لكي يصل إلى إرضائهم، وكثيرة هي المواقف والقصص التي نعيشها وتدور حولنا. وتحضرني دائماً وفي أكثر من موقف قصة “جحا” التي تترجم واقعنا، فيحكى مرة أنه لما بنى بيتاً أراد أن يضع الباب، فنصحوه الناس من حوله أين يضعه؟ ولكن اختلفت الآراء حول مكان الباب، فجاءه الأول قائلاً “لو جعلت الباب في الجهة اليمنى كان أفضل، فنقل جحا الباب إلى الجهة اليمنى، ثم أتاه آخر، فقال له لو كان في الجهة الشرقية كان أفضل، فحول جحا الباب، ثم أتاه آخر فقال له لو كان في الجهة اليسرى كان أفضل، فحوله، حتى أصبح منزله عبارة عن بيت مهدم وكثير الرقع، فتركه وانتقل إلى منزل آخر، بناه على هواه، فأتاه رجل، وقال له لو كان الباب في الجهة الغربية كان أفضل، فقال له جحا: استسمحك، هذا منزل جحا، وليست مشكلتي أني لم أرض غايات الذين من حولي، وليس من الإنصاف أن أكرس عمري وظروفي لإرضاء من حولي. وفيه قال ابن حبان “من التمس رضا جميع الناس التمس ما لا يدرك”.. وهذا لا يمنع أن يتوافق الإنسان مع أفكار الناس، ولكن بما يرضي الله ويرضي نفسه وظروفه، فالمصلحة الدينية تضاعف من المصلحة الدنيوية التي سيكسبها المرء في نهاية المطاف.? وقد قال الحكيم في رضا الناس: ضحكت فقالوا الا تحتشم بكيت فقالو الا تبتسم بسمت فقالو يرائي بها عبست فقالوا بدا ماكتم صمت فقالو كليل اللسان نطقت فقالو كثير الكلم حلمت فقالو صنيع جبان ولو كان مقتدراً لانتقم فأيقنت أني مهما أريد رضا الناس فلا بد أن أذم.. فلا تجعل نفسك كاللوحة التي يضع فيها الناس ألوانهم التي تعجبهم، وأنت تملك أحلى الألوان وأجمل الصور. Maary191@hotmail.com