تنفق مختلف الجهات والدوائر والمؤسسات سواء الحكومية منها أو الخاصة موارد مالية وبشرية كبيرة من أجل تطوير الأداء فيها، وتجويد نوعية الخدمات التي تقدمها للجمهور، ولأجل ذلك توسعت في إدخال أنظمة الحاسب الآلي، والبرامج المتفرعة منها، وكذلك وسائل الدعم والحماية لهذه الأنظمة التي يفترض أنها وجدت لتسهيل تقديم الخدمات، وتخفف على المراجعين فترات الانتظار لأوقات طويلة لإنجاز معاملاتهم. إلا أن هذا الجهد والأهداف المتوخاة منه، سرعان ما تتحول إلى معاناة حقيقية عندما تصاب الأجهزة بالشلل، وتشل معها الحركة في المرفق المعني، الذي يرفع موظفوه في تلك اللحظات شعار “السيستم علق”. وإذا كانت المعاملات في الماضي تتعطل بسبب غياب الموظف أو إصابته بوعكة صحية، فإن ذات التعطيل، ُيبرر اليوم بُعطل “السيستم” الذي يتعطل معه كل شيء.
ويستغرب المرء من “السيستم” الذي لا يحلو له التعطل إلا عندنا، ليبرز التساؤل الأكبر عن جدوى أنظمة الدعم التي يتم التعاقد عليها، بأثمان باهظة، لأجل مثل هذه اللحظات، ولكنها تأبى إلا أن تخذل المستجير بها. ليعم الارتباك المشهد العام في المكان الذي أُسند فيه للكمبيوتر إدارة العمل، وحيث لا يسمع المراجع له، سوى التبريرات التي تحمل “السيستم” الحق والمسؤولية لما جرى. وبصورة تكاد تكون يومية، يلمس المراجع ما يتسبب فيه “السيستم” من إرباك للعمل عندما يتعطل.
صباح أمس تعطل “سيستم” المركز الرئيسي لتوزيع الأغدية التابع لبلدية أبوظبي، وخلال دقائق معدودات، تجمد كل شيء، وتكدس المراجعون الذين كانوا يتوافدون على المكان الضيق أصلا. ولم يكن أمام موظفي الاستقبال في المركز، سوى مناشدة الجمهور التوجه الى فروع البلدية الأقرب لهم للتسجيل، والعودة مرة أخرى لاستلام الحصص المقررة. ومن هؤلاء من جاء من مناطق الضواحي البعيدة، ليكتشف أن في منطقته فروعا للبلدية، ولكنها غير مفعلة، لأن المراجع يسجل فيها، أما الاستلام ففي المركز الذي يصر على مركزيته ويعتبرها أهم صلاحياته وأكبر أدواره التي لا يمكن التنازل عنها أو التفريط فيها، وإلا تحول العاملون فيه إلى ما يشبه البطالة. وهذا المشهد كما قلت، هو مجرد نموذج لما يجري في دوائر ومؤسسات توسعت في استخدام الكمبيوتر وتطبيقاته، واعتمدت بشكل كلي على هذا الجهاز الساحر، من دون أن تولي مسألة الدعم والبدائل عند تعطل “السيستم” الاهتمام الكافي، او تعتني بأنظمة الصيانة بالصورة المطلوبة، منعا للأعطال أو التخفيف من آثارها لأقصى حد ممكن. واللافت للنظر أيضا أن غالبية هذه الجهات ذات الانفتاح الكبير على الأداء الإلكتروني، هي أكثرها تمسكا بالورق، وسير دورة العمل فيها بشكل يعتمد على الورق، والإكثار من طلب الأوراق، بحجة إدخال بيانات. وهذه الاشتراطات تعكس عقلية بيروقراطية يريد البعض إدارة العمل بها، رغم الانفتاح الكبير الذي أشرت إليه على أدوات عصر الأداء الإلكتروني، وُيحّملون معه بعد ذلك “السيستم” المسؤولية عن أي انتكاسة في مفاصل العمل. كم نتمنى أن تتحول عبارة “السيستم علق” إلى شيء من الماضي في رحلة البحث عن التميز.


ali.alamodi@admedia.ae