الكويت التي نحبها، ونعشق ترابها نشعر بالأسى، والحزن حين تخدش هامتها وتمس قامتها بما يسيء، وما يشوّه المشهد الحضاري لبلد كان منارة ثقافية وسياسية وصرحاً مجللاً بسندس الصوت والصيت النبيل.
ما حصل بالأمس تحت قبة أصحاب الرأي وقادة الكلمة في الكويت كوميديا سوداء مخيفة أضاعت رصيد بلدٍ بناه رجال أفذاذ أخذوا على عاتقهم حمل الراية الكويتية إلى أفق النشوء والإشراق وصناعة الغد المبهر لبلدٍ هُيئ لهُ أن يكون عند رئة الخليج العربي يرتشفُ من زرقته صفاء الطوية وخلود العطاء، ولكن الكارهين لهذا الوجه الجميل نصبوا أنفسهم قضاة، حاملين صكوك الغفران بأيد مرتجفة وقلوبٍ واجفة وعقولٍ مستخفة بإرادة الناس، مستخدمين الديمقراطية عصا يجلدون بها ويسفون وينسفون ويخسفون بمبادئ الديمقراطية الحقة معتبرين أنفسهم أنهم وحدهم من أمسكوا بزمام الحقيقة ومن عداهم لا يستحقُ غير التنكيل.
الديمقراطية أولاً وأخيراً ثقافةٌ قائمة على الحب واحترام الآخر وثقافة البعض مبنيةٌ على الإقصاء وحرق المراحل ودفن الثوابت والقفز على القوانين والأعراف والقيم الاجتماعية وشهامة الناس النبلاء.
ما شهدناهُ تحت قبة مجلس الأمة الكويتي خطوة نحو الوراء يقود عجلتها أفرادٌ اتخذوا من فضيلة الديمقراطية وسيلةً لارتكاب رذيلة البوح، معبرين بذلك عن شحنات عدوانية مدمرة وغاياتٍ وأهدافٍ و«أجنداتٍ» لا تخدم الديمقراطية.
فإذا كانت هذه هي الديمقراطية فإن أوطان الناس في غنى عنها، وإذا كانت هذه هي الحوارات بين المختلفين فإن الصورة الواحدة والواضحة والصريحة خير من صور تتعدد فيها الألوان الباهتة والشائهة.
نقولها بكل جلاء إذا كانت هذه هي الديمقراطية فلا أهلاً ولا مرحباً بها فأهل الخليج العربي عرفوا التساقي بالكلمة الطيبة من نبل الصحراء وشهامة الماء ما جعلهم نموذجاً يحتذى به في علاقة الحاكم بشعبه من غير تفريط أو إفراط.
ما حصل في مجلس الأمة الكويتي أمرٌ مروع راغ الديمقراطية بعصا العشوائية والغوغائية. إنهُ انقلاب واستلاب لحقيقة الديمقراطية وهوية أهل الخليج وهو اضطرابٌ بالمعنى واحترابٌ يفضي إلى مفردات أراد البعض أن يلبسها لباس الحرية، وهي الأبعد ما يكون إلى ما يشغل بال الناس ويحرك مشاعرهم.
إنها زلزلة ما بعد الفوضى الخلاقة وجلجلة ضمائر الذين رأوا ما يراه النائمون ساعة الكوابيس، فما هكذا تورد الديمقراطية يا أهل الديمقراطية فإن للإبل موارد وللجيادِ مراقد وللرجالِ مقاصد، وخير المقاصد أن نحفظ أوطاننا من زللٍ ومن خلل ومن عللٍ ومن مِلَلْ. حفظ الله الكويت وحفظ أوطاننا من ثورات الغربان ونطاح الثيران.


marafea@emi.ae