لدي من الشجاعة كي أقول إنه فيما يتعلق بقضية المرأة وموقف الرجل منها، بدا واضحاً أن الرجل قد خاف من مواجهة اندفاعات المرأة وتنحى جانباً، بينما نالت المرأة حقها وأكثر بعد مسيرة مطالبات نسائية تحررية عبرت قارات العالم، وقدمت رموزاً لا يشق لها غبار في دنيا الأدب والعلم والصحافة والكتابة والطب والقانون والنشاط الاجتماعي، حيث ساعد المرأة في تحقيق مطالبها وجود مثل هذه الرموز التي استطاعت أن ترمي بكل العوائق جانباً وبكل التحفظات بعيداً وأن تصرخ عالياً: نريد أن نتحرر!!
كيف تتحرر؟ لماذا ؟ ممن ؟ في أي إطار؟ وفق أي رؤية ؟ كانت هنالك أسباب منطقية لهذه المطالبات في كثير من المجتمعات، خاصة تلك التي انتهكت بشكل صارخ حقوق النساء في أبسط مستوياتها الإنسانية والأخلاقية، كما كانت المبررات مقبولة في سياقات اجتماعية أخرى مازالت تنظر إلى المرأة كمخلوق زائد عن الضرورة أحياناً، مثلما نظر إليها ذلك الأعرابي الجلف الذي حملها وليدة وذهب ليدفنها خوفاً من عارها المحتمل أو من عبئها الاقتصادي المتوقع!!
ربما أجيب عن بعض هذه التساؤلات اليوم، وربما لم تتم الإجابة عن بعضها الآخر الذي بقي مشكلاً حتى اليوم، خاصة في مجتمعات عرفت نفسها وقدمت هويتها للعالم تحت عنوان المحافظة، كبلدان الخليج نموذجاً، والتي لم تعانِ المرأة فيها اضطهاداً في مصانع العمل، واستخداماً سيئاً لنوعها كأنثى مطالبة بالترفيه عن الرجال لا أكثر في لحظة تاريخية معينة، كما أنها حين قاست شظف العيش وقسوة الظروف وتقلبات حياة الفقر والعوز، فقد قاسمها الرجل تلك الحياة دون أن يكلفها عبئاً أو يستخدمها بأي شكل مهين.
ما حدث هنا كان العكس تماماً من كل ما حدث في مناخات أخرى، فقد تحملت المرأة تلك الحياة بصبر وجلد، وطبقت مقولة المرأة نصف المجتمع وشقيقة الرجال تطبيقاً عملياً، حين رفعت عبء أسرتها على كاهلها طوال وجود الرجل في غياهب بحار الرزق والغوص والترحال بحثاً عن قوت العيال ، وها نحن اليوم نشهد حديثاً متطابقاً لدى نساء الجيل الجديد عن أدوار المرأة الخليجية قديماً وعن قوة عزيمتها وصلابتها وشهامتها.
وحين جاد الزمان بالخير على هذه البلاد كان للجميع نصيب منه وفيه ومن الطبيعي أن يكون للمرأة نصيب ونصيب كبير أيضاً، لأن القيادة تعي حقيقة دورها ولأن المرأة الإماراتية والخليجية عموماً، تستحق بالرغم من كثيرات في الخليج قد حظين بكل ما هن فيه نتيجة نضال ومطالبات مشهودة كالمرأة الكويتية والبحرينية، دون أن نسلب حق الأخريات في العمل والاجتهاد.
إلا أن الأمور أحياناً قد مالت عن وجهتها، ليس لأن منظومة الحقوق سارت بطريقة خاطئة، وليس لأن المرأة لا تستحق، لكن النظرية أحياناً لا تتفق مع تطبيقاتها، ثم إن الواقع له إرهاصاته، وقد حدث ما حدث من تطاولات وصراعات وتخلي عن أدوار واعتداء على أدوار بين كل من الرجل والمرأة.
الحقيقة إن تجربة ثرية وغنية جداً قد عاشتها المرأة الخليجية وما زالت تعيش إرهاصاتها وتجلياتها، لكننا إزاء ما نسمعه من تجارب الآخرين، مطلوب منا أن نأخذ العبرة وأن نقرأ التجربة بموضوعية لا أكثر.


ayya-222@hotmail.com