في كل يوم من الحياة ننطلق بين حشود البشر، في الشارع وفي السوق وفي العمل، نصادف وجوهاً ونبتهج، نحدق في عيونهم وتأسرنا البراءة والنقاء، نحدق في قسمات وجوههم فتشع أرواحهم النقية؛ أينما كانوا يشيعون الفرح والجمال، معهم وبقربهم تكون تفاصيل اليوم أجمل، الأماكن أجمل، في كلامهم نلمس وداعة اليوم، وتهون شراسة حدثت في اللحظة، وحتى في صمتهم لغة وكلام، إنهم يبثون الإيجابي دائماً، حيث تثبت خطواتك ويتنقى صوتك من الحشرجة، ويأتي الكلام في جمل رحبة. بالتأكيد نتمنى على الدوام أن تزخر الحياة بهذه الأرواح المشعة التي لا تعرف من الانكسار سوى الأمل، ومن البكاء سوى الابتسامة الأجمل، ومن الحزن سوى الفرح ومن الجمود سوى الرقص، ومن الحذر سوى الفطرة الطيبة، أرواح لا تشيخ أبدًا، نراها كما هي في وداعة الرضيع، وفي شقاوة الطفل الصغير، في ابتسامته الساحرة وخطواته المتمايلة وعدوة الآخر متزن، في بريق عيونه والسحر الذي تبثه، كلما حدقت فيها وتغمرك البهجة وهدأة في النفس. تلك هي أرواح لا تؤذي، تمر ويتبعها النسيم، تمر وتترك فيك أثر البهجة. قرب، وفي هكذا مساحة من النقاء، بالتأكيد تزهر الحياة، يتوقف العالم عن التبجح بالموت اليومي، وبالكآبة اليومية، بالحزن الساكن في القلوب، والخوف الذي يشرق مع شروق الشمس يجر ذيوله ويفر أمام لحظة تمرد كبيرة من الروح التي كبلت به في زمن ما، يستحى البكاء القادم من دهاليز الألم السحيقة أن يتحقق في وجه صباح مشرق بالتفاؤل، صباح تطير فيه الفراشات إلى اقرب نقطة من القلب، حيث يعزف الشعور لحنه الجميل، لحنه الذي يصدح من الأزمان ولا يسكت، يشع كنور يضئ العتمة، كلما تم التجني على روح رائعة في الحياة، شعور نبيل وصاف كماء بارد وعذب يبلل العروف، ويبلل الروح فتنتشي.. قرب وفي هكذا مساحة من النقاء تشيح الرموش بالغبن بعيداً عن العيون، تنفض الغبار عن الألوان كي تشع الألوان من جديد، وتتمثل في سلامها وبهائها وخصبها وامتدادها في المشهد إلى أقصى نقطة في الرؤية. كم تكون الحياة جميلة بهم، بوجودهم المختلف، بشغفهم وحريتهم ونظرتهم العميقة، وحبهم الرائع للحياة، وقدرتهم الفاتنة على استيعاب الجمال فيها، على لمس جنونها وبهجتها، على إدارك معنى شروق الشمس وغروبها، معنى الوردة وهي متفتحة كأغواء رائع لشم عطرها، معنى الصور، وهي تتحرك في الحاضر، معنى اللوحة وهي تحدق في المتلقى، معنى القصيدة وهي تخرج من الورق وهي تتجسد لتقول حكايتها، معنى الموسيقى وهي تهدر كشلال يأتي من الأعالي وكمطر يهطل وكنهر ساكن قرب عاشقين. فهل يدرك من تسرق منهم أروحهم إلى المنطقة الأسوء، إلى حيث تسكن البشاعة في صورها الكئيبة، ويتوهون في عدم الرضا حتى من أنفسهم، يتوهون في سرقة فعل الآخر، في تتبع الشر حتى يلبسوه، في تحريض النميمة كي تكبر، وتسقط القريبين منهم في الخلاف والفراق والبعاد، في التشوه حتى لا يعود في القلب شعور للحب ولا في الكلام جملة أو كلمة تلمع. هل يدرك هؤلاء إنه يمكن قطع الطريق والذهاب مباشرة إلى تطبيب الروح وتطهيرها بالنور من كل شوائبها، كي تشع ويشع الشغف بالحياة، وتكون في الناصع من هذا اليوم وكل يوم؟ saadjumah@hotmail.com