بما أن للثورات العربية صدى الزلزلة، فإنها تغذي الأسئلة وتجعلها تكبر، بما يتلاءم مع أهمية هذه الرقعة من العالم، وفداحة ما خسرته من طاقات وثروات، وجسامة ما واجهته من أحداث دامية، أدت إلى فقدان أوطان بأكملها، وضياعها في تيه العرقية والمللية.
ولكن بعض الاستعراضيين يريدون أن يركبوا الموجة، وأن يتسلقوا المرحلة، ويذهبوا بالصراخ إلى حد الولولة والندب، ويمنعون الماء والهواء عن سواهم، ليعلو صوتهم، وتستمر حكايتهم مع التسلق إلى آخر رمق، وآخر حدث وآخر نزق.
استعراضيون يسيئون إلى الحياة، وإلى كل ما يخص الإنسان لأنهم متناقضون، يتهمون الآخرين بالتسلط والديكتاتورية، ويمارسون ضد من يخالفهم الرأي، أعتى أساليب الردع والمنع، لأنهم فقط يريدون أن يلفتوا الأنظار، ويعلنوا لكل أبناء الديار أنهم وحدهم الذين أمسكوا بزمام الحقيقة، وأنهم وحدهم الذين يرون قبس النور، عند جبل المعرفة المتوهمة.. فعندما تطرح الأسئلة حول ما يحدث، فإن حدقات الأعين تتسع، والزبد يتطاير وهدير الحناجر أشبه بالرعد.. لماذا، لأنهم لا يرون في الحياة سوى لون واحد، ولا يسمعون سوى صوت فضائية واحدة، هؤلاء سجناء المحبسين، يستنكفون على غيرهم، أن يسأل وأن يقرأ ما يحدث على غير ما يأتي بالتلقين، والتلحين بوتر واحد.
هؤلاء يمارسون الثورات بطرق انتقامية، احتقانية، استعراضية، تنم عن معاناة شديدة من أمية سياسية، استولت على أذهانهم، وحكمت واستحكمت، وصاروا أشباه أموات، يتحركون على رؤوس موجات بحرية، هادرة لم يستوعبوا نشاطها، ولا دلالاتها، ولا مغازيها.. هؤلاء لا يقولون لا نعلم، بل هم يعلمون الأسرار والخبايا والخفايا، هؤلاء يريدون أن ينافسوا علاّم الغيوب، في معرفة الغامض والمبهم، ونسوا أن من قال لا أعلم فقد أفتى.. ونسوا أن المعرفة ليست حكراً على فئة دون سواها، ونسوا أن السؤال أصل المعرفة ومن يملك الإجابات الجاهزة، يخبئ عقلاً بليداً، لا تحركه الآزفة ولا النازفة ولا الجارفة.
من المهم، أن نقترب من قضايانا الكبرى، ومن الأهم أن نقترب من بعضنا، لأن الأوطان بحاجة إلى كل الألوان، لكي تصبح السجادة زاهية، فلا بد من الأبيض إلى جانب الأسود، ولا بد من أن تكون الأنامل الذهنية رقيقة، حتى يصبح لملمس حرير الوطن معنى وثمن.. الحب وحده الذي يصنع الأوطان العظيمة، أما الكارهون فهم الطفيليات التي تغزو الجسد، بحجة طلب البقاء.. الحب وحده يجزل ولا يختزل، يغزل ولا يعزل، يدلى ولا يسدل الستار على التطور، ورقي البشر ووصولهم إلى غايات ومرامٍ هي الأهداف السامية.. الحب وحده عاطفة لا تكسرها الريح، ولا تثنيها عاتية.. الحب وحده ثورة لا يخمدها طغيان، ولا يطفئ وميضها جاهل أو متسلق.. الحب وحده وسيلة ومضاد حيوي ضد التخلف والحقد.


marafea@emi.ae