كانت السيارات قليلة ونادرة في السبعينيات من القرن المنصرم، وكان الوقوف في الشارع بحثاً عن “شهم” يوصلك سلوكاً عادياً ومرضياً عنه، فالقلوب كانت طيبة وحسن النية كان يغلب على الجميع. هذا السلوك بدأ ينحسر بمجرد انتشار السيارات الخاصة وسيارات الأجرة ودخول السائقين المنزليين إلى قائمة الخدم المطلوب توافرهم في كل منزل، لكن ومع ذلك ما زلنا نرى أيادي تلوح لأصحاب السيارات بحثاً عن موصل إلى الوجهة التي يريدها الماشي، وما زالت الشهامة تقتضي من كثيرين التوقف لحمل المتعطلين دون سيارة. حمل المشاة من الشوارع، خلق كريم شجع عليه رسولنا الكريم بقوله: “من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له”، بمعنى أن من لديه مكان أو وسيلة نقل فائضة عن الحاجة يمكنه أن يساعد بها من يحتاج. لكن موقفاً وقع مع إحدى صديقاتي جعلني أعيد حساباتي حول هذا الأمر، تقول صاحبة القصة “رأيت امرأة بالعباءة والشيلة، وجهها مكشوف وكأنها مستعجلة تمشي وتبحث عن تاكسي، حملتها معي في سيارتي وسألتها إلى أين؟ فقالت اسم منطقة في طريقي، مضيت وهي صامتة، فبدأت أسألها بعض الأسئلة، لأكتشف أنها خادمة فرت من منزل مخدوميها وكانت ترتدي ثياب ربة البيت، فجزعت أن تكون قد سرقت منهم شيئاً وأنزلتها من السيارة”. موقف صاحبتي مع الخادمة الهاربة قد يتكرر لي أو لغيري، أو لأي إنسان يود عمل الخير، هناك نماذج تلاحقها الشرطة تمشي في الشوارع متخفية، الخادمة الهاربة مطلوبة للعدالة حتى لو لم تقترف جرماً، هروبها بحد ذاته تهمة، وأن يوصلها إنسان لوجهتها فهذه مشاركة لها على إتمام جنايتها. بخلاف هذا، هناك المساءلة القانونية التي يمكن أن يتعرض لها من يوصل شخصاً إذا وقع له أي حادث عارض لا سمح الله، لو انتابته نوبة قلبية مفاجئة، أو ضربة شمس، أو حتى حادث سيارة فجائي، يجعل صاحب السيارة في سجن المرور إلى أن يشفى من كان يوصله. يمكن أيضاً أن يقترف بك من تحمله جريمة لا تتوقعها، كأن يسرق محفظتك أو هاتفك أو شيئاً ثميناً آخر، ويمكن أيضاً أن “يستعملك” كستار يخفي جريمة يديرها، مثل تهريب الممنوعات أو تضليل الشرطة. كل التفكير التشاؤمي في هذا المقال سببه قصص كثيرة استمعت إليها عن خلفيات الناس الذين توصلهم بطيب نية، صار عمل الخير محفوفاً بالكثير من المخاطر، وربما يكون من الأفضل تجنب الوقوف لشخص لا تعرفه، عوضاً عن أن تكون ضحية لغدر من أردت به خيراً أو أن تسجن بسبب حادث لم تقصد تأذي به هذا الإنسان، فالقانون في النهاية لا يحمي “الطيبين”!