منذ أن حدثوني عن سوق واقف بالعاصمة القطرية الدوحة، قررت أن أذهب إلى هناك، وظننت في البداية أن الأمر لن يزيد عن ليلة واحدة، أقضي فيها ساعة أو اثنتين بهذا المكان الذي يحدثني عنه الأصدقاء بشغف بالغ، غير أنها باتت عادة يومية، فكل ليلة وبعد أن نفرغ من عملنا، نتوجه إلى هناك، ولكن في مهمة عمل جديدة، غير أنها بطعم مختلف، فالسوق يمنحك الفرصة لتكون جزءاً من عالم الكرة الحقيقية، وسط الناس، ووسط التاريخ والعادات، وأكوام من البشر تلونوا بأعلام بلادهم، واختاروا سوق واقف عاصمة لفعالياتهم، دونما ترتيب مسبق، أو إعلان من جهة ما. وليس سوق واقف، فقط معلماً سياحياً تاريخيا في الدوحة، وإنما هو الآن وجهة المحللين ومحطات التلفزيون، التي سارت هي الأخرى في درب السائرين، فشيدت استديوهات التحليل داخل السوق، وفي مشهد أشبه بعوالم عديدة، يختلط في السوق التحليل بالطرب بالطعام والشاي بـ«النعناع»، فتستسيغ الكرة بهذه النكهة فريدة الطعم.. إنها في سوق واقف ليست جامدة، وإنما هي تتلون بلون وطعم الحياة. عندما تخطو إلى السوق، لابد وأن تتوقف بعض الوقت أمام المسرح الذي أعدته العاصمة للفعاليات المصاحبة للبطولة الآسيوية، حيث يبرع الفنانون في اختيار الوصلات الطربية الخليجية بشكل يرضي كافة الأذواق، الإماراتي منها والسعودي والبحريني والكويتي وبقية البلدان الخليجية والعربية التي يتواجد جمهورها في الدوحة، وشيئاً فشيئاً، تعلو الإيقاعات الساحرة، ويتحول المستمعون إلى عالم واحد مع حماسة المنشدين و المطربين وتفاعل الجماهير. وبعد أن تخرج من هذا المشهد، عليك أن تتمشى في السوق، بحاراته الضيقة، التي تفتح أمامك نوافذ شتى على الأمس، من خلال ما يباع وما يعرض فيها، فهنا المشغولات التقليدية القديمة، وفي مكان آخر، نساء يقمن بإعداد الوجبات التقليدية أيضآً، وإن أردت منها فلتأكلها على عجل، وإن أردت التأني، فلتختر أحد المطاعم المنتشرة، والتي تلبي كافة الأذواق، تقابلها المقاهي وفي وسط الشارع ستديوهات التحليل والنجوم من كل صوب، ولاعبو الفرق يمرون عليك، أو بجوارك فيتلامس كتفك بأكتافهم، وإن أردت أن تطل على المشهد فقط، فبإمكانك أن ترتقي سلماً تاريخياً، يصعد بك إلى مقهى فوق سطوح المبنى العتيق، وهناك ومع كوب الشاي الدافئ، ستتفرج ولكن بما هو أروع من نظام البعد الثالث. أعتقد واتفق معي الكثيرون من الأصدقاء الذين التقيتهم هنا، أن سوق واقف كان ظاهرة البطولة، ورواده كل ليلة أكثر من الحضور في أية مباراة، يرسمون مشهد الوحدة والُلحمة، ويتجولون في ليلة عيد، يصرون على أن يكرروها، قانعين بهذا الدفء وتلك البساطة، مؤكدين أنه كلما عدنا إلى مشاهدنا الأولى، لا نستطيع أن نقاوم، فمن تلك المشاهد نطل على أيام البراءة، ومن تلك النوافذ نتخلص من العُقد، وفي طريق العودة كل ليلة، تترك في السوق أمنية، ويهديك عشرات الأماني، ويبدو راضياً في شموخ، يبتسم لك من بعيد وكأنه على ثقة من أنك ستأتي، فالتاريخ دوماً هو صاحب القرار. كلمة أخيرة: كل تلك المشاهد الآسرة، عليك أن تستغني عنها إذا ما ذهبت إلى السوق بصحبة المعلق اللامع فارس عوض، أو أن تتركه لحاله مع المعجبين والمعجبات وتذهب في حال سبيلك. mohamed.albade@admedia.ae