أن تبلغ قيمة مخالفات مرورية 142 مليون درهم خلال ثلاثة أشهر، وفي إمارة واحدة فلابد أن نتوقف عندها ونقرأ الرقم بتمعن وتمهل لأن الرقم يشير إلى خلل في العلاقة ما بين من يقودون السيارات ونظام المرور الذي هيئ له أن يكون رقيباً وحسيباً وحبيباً أيضاً، ولكن البعض لا يريد أن يصادق النظام ولا يريد أن يسير على الأرض هوناً ولا يريد أن يرحم نفسه ولا يريد أن يكلل أطفاله بفرحة عودته سالماً.. هذا الرقم يعني أن هناك خصومة دائمة ما بين السائقين والشارع وشوارعنا فسيحة أنيقة تستحق الاحترام والتقدير ويستحق من أنشأها أن نشد على يديه ولكن السائقين لا يعجبهم ذلك، لأنهم يريدون أن يخرجوا عن النص ويريدون أن يتجاوزوا السطور فينعرجوا وينحرفوا وينجرفوا ويسيرون باتجاهات الخط الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى خسائر فادحة وفواجع مؤلمة.. فالدماء أريقت في الشوارع والأرواح أزهقت والجنازات خرجت من البيوت ومعها لوعات الأمهات وحسرات الزوجات ولكن لا أحد يعتبر ولا أحد يريد أن يقتنع أن السرعة طريق للموت وأن مخالفة أنظمة المرور ليست شطارة ولا هي ابتكار يمكن أن ينعم به صاحبه ويفتخر به البلد.. المخالفات شيء من عمل الشيطان وشيء من تصرفات تسيء إلى الإنسان وتشيع الفوضى وتكسر القواعد المرورية التي ضيقت لأجل سلامة الناس والحفاظ على أرواحهم ونثر ورود النظام في ربوع البلد.
الرقم المذكور مقلق جداً لأنه يؤشر على علاقة غير سوية بين قائدي السيارات والجاريات على الأرض، فقد أصبحت هذه الآلة الرهيبة والتي استعاضها الإنسان بدلاً من كائناته الخرافية نذر شر وخطر يهدد الحياة، الأمر الذي يستدعي البحث في حلول لا تخص أنظمة المرور بقدر ما ترتبط بثقافة الناس ومشاعرهم أيضاً تجاه السيارة وتجاه الشارع.. لابد من عقد دراسات مكثفة يقوم بها اختصاصيون وأكاديميون للبحث في الكامن والغائز وراء هذا العنف في تحطيم الذات، وما يجري في العميق شمالاً من مشاعر عدوانية تتجاوز حدود المنطق وتتجاوز إشارات المرور وتتجاوز الأنظمة المرورية بكاملها.. فلا يجوز أبداً أن تظل في مسألة المواجهة مع المخالفين بانتظار نتائج هذا الانحراف، فلابد من بحث ولابد من دراسة وتقص وفهم واستيعاب كل هذه الشحنات العنيفة والتي في معظمها تؤدي إلى الوفاة.. فعندما يمر شخص أمام حادث مؤلم ويرى الدماء ويرى الحديد معجون كقطعة إسفنج ثم يلتفت جانباً ثم يسحق عجلات سيارته بعنف أشد فأعلم أن الشحنات الكهربائية في الداخل تعاني من اضطراب.. وخراب.


marafea@emi.ae